الكاتب : د.أعــوج بن محــسن الأعــــــــوج
في الثاني والعشرين من مايو عام 1990، وقف اليمنيون جميعًا أمام لحظة تاريخية لن تُنسى، لحظة توّجت عقودًا من النضال والدموع والتضحيات، بإعلان الوحدة اليمنية المباركة. يومها لم تكن الوحدة مجرد إجراء دستوري أو حدث سياسي، بل كانت ميلاد أمة، وولادة حلم.
اليمن عبر التاريخ: منبع حضارة ومهد وحدة وهو ليس مجرد دولة عادية، بل هو قلب جغرافي استراتيجي نابض، تقع بواباته على أهم الممرات البحرية العالمية، ويتحكم بمصالح إقليمية ودولية كبرى. إن الحفاظ على اليمن موحدًا، مستقرًا، هو ضرورة قومية للأشقاء، وحاجة حيوية لشعوب المنطقة، وضمانة للتوازن الجيوسياسي والأمن العالمي.
الوحدة.. عمقٌ داخلي وسندٌ إقليمي ودولي
إن الوحدة اليمنية لا تصون فقط السيادة والكرامة، بل تفتح أبواب التكامل والتعاون، وتعزز مفاهيم الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع تحت مظلة القانون. وحدة اليمن ليست شأنًا يمنيًا صرفًا، بل هي جزء من منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي.
الإصلاح لا يناقض الوحدة بل يعزّزها
نعم، نقرّ بوعي ومسؤولية أن مسيرة ما بعد الوحدة لم تكن خالية من الأخطاء، وشابها كثير من التحديات والإخفاقات، في الإدارة، في تقاسم الثروة، في العدالة الاجتماعية، وفي تمثيل مختلف المكونات. ولكن هل يكون الحل في الهروب من أصل المشروع الوطني الكبير؟ أم يكون في مواجهة الأخطاء بإصلاح جذري وشجاع يُعيد للوحدة معناها الحقيقي، ويُرمم الثقة التي اهتزت؟
الوحدة لا تعني احتكار القرار، ولا تعني المركزية المفرطة، بل تعني شراكة في السلطة والثروة، ونؤمن أن الوحدة اليمنية منجز تاريخي لا يُمس، وركيزة أساسية لبناء الدولة المدنية الحديثة.
نعم، لقد شابت تجربة ما بعد الوحدة أخطاء، وهو ما أضعف الثقة وزرع الشكوك، لكن الحل لا يكون بالتمزيق والتشظي، بل يكون بـ إصلاح جذري، عادل، وشامل، يعيد للمواطن اليمني في كل بقعة من الوطن شعوره بالشراكة والانتماء.
قوة الشعوب من وحدتها
لقد أثبتت كل تجارب العالم أن الشعوب التي اختارت الوحدة، وبنت دولاً جامعة عادلة، كانت أكثر استقرارًا وازدهارًا. إن التمزق لا يولّد إلا الدمار، والاحتراب الداخلي لا ينتج إلا المزيد من المآسي.
الحوثي ومشروعه الطائفي.. وجه آخر للتمزيق
ومن المؤسف أن نتحدث اليوم عن طرف يسيطر بالقوة على جزء كبير من أرض الوطن، هو جماعة الحوثي، التي لا تؤمن بالجمهورية ولا بالمدنية ولا بالمواطنة، بل تسعى لفرض مشروع ظلامي طائفي، لا يعترف إلا بالحق الإلهي المزعوم لحكم الناس، واحتكار القرار والثروة باسم السلالة. إن هذا المشروع الطائفي لا يمثل اليمن، ولا يعكس تطلعات أبنائه، بل هو امتداد لأجندات خارجية، تخدم إيران ومن يدور في فلكها، ولا تبالي بمعاناة الشعب ولا مستقبله.
لكننا نؤمن أن اليمن العظيم الذي أنجب السلال والزبيري والنعمان واللقية والقردعي وجزيلان وعبدالمغني وجيش سبتمبر وأكتوبر، لا يمكن أن يُكسر، ولا أن يُرتهن.
دعوة للعقلاء والمخلصين
إننا في هذه اللحظة الفارقة، نوجّه نداءً صادقًا لكل القوى الوطنية، لكل الأحزاب السياسية، لكل الشخصيات الاجتماعية والمثقفين، لكل رجال الدولة والقانون، ولكل مواطن يمني حر: أن تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا نبني مشروعًا وطنيًا جامعًا يعيد الاعتبار للوطن والمواطن، مشروعًا يستلهم مبادئ الجمهورية، ويجدد عقد الوحدة، على أسس من العدالة والمساواة والشراكة الكاملة.
الخاتمة: اليمن فوق الجميع.. والوحدة مصير لا بديل عنه
إن الوحدة اليمنية قدرٌ لا رجعة عنه، وهي المشروع الذي ينبغي أن نتمسك به جميعًا، لا ترفًا ولا عنادًا، بل لأنه الضامن الوحيد لبقاء اليمن ككيان محترم بين الأمم. دعونا لا نخدع أنفسنا ولا نخون دماء الشهداء، فتمسكنا بالوحدة لا يعني الرضى عن الفساد، بل هو التزام بإصلاحها، وتطويرها، وجعلها وعاءً جامعًا لكل اليمنيين.
ختامًا، نقول:
مهما ارتفعت أصوات التشطير، ومهما انتفخت مشاريع التبعية، ومهما سعى الساعون لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، سيظل اليمن واحدًا، كبيرًا، شامخًا، بكرامته، بجمهوريته، وبتاريخه النضالي المشرق.
ستبقى الوحدة اليمنية حيّة، لا تموت، طالما في اليمن رجالٌ أحرار، ونساءٌ صامدات، وشبابٌ مؤمنون بوطن يسع الجميع، لا مكان فيه للطائفية، ولا للوصاية، ولا للتبعية.
اضف تعليقك على المقال