يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

المسؤولية… ما بين الذات، الضمير، المجتمع، والأزمات

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 

في عالم يزداد فيه التحدي، وتتزاحم فيه الأصوات، تبقى “المسؤولية” واحدة من القيم القليلة التي لا تفقد بريقها، بل تزداد أهمية كلما عصفت الأزمات، وارتبكت الاتجاهات.
ليست المسؤولية شعارًا يُرفع، أو موقفًا يُتخذ عند الضرورة، بل هي أسلوب حياة، يبدأ من داخل الإنسان، ويمتد إلى دوائر أوسع… إلى الأسرة، إلى المجتمع، إلى الوطن، وربما إلى الإنسانية كلها.

مسؤولية الذات… البداية دائمًا من الداخل
حين يتحدث الإنسان عن التغيير، أو الطموح، أو النجاح، فإنه غالبًا ما يُغفل أن البداية الحقيقة تكمن في تحمّله مسؤولية نفسه. أن يعترف، بصدق، أن قراراته هي ما شكّلت مسيرته، وأن ما سيأتي لا يتشكل بالصدفة، بل بالاختيار.

المسؤول عن ذاته لا يتهرب من أخطائه، ولا يبحث عن شماعات خارجية يعلق عليها فشله، بل يواجه، ويحاسب، ويصلح. يختار الصعب حين يكون الصعب هو الصواب، ولا يبيع مبادئه بثمن الراحة أو القبول الزائف.

مسؤولية الضمير… الحارس الصامت
الضمير هو تلك القوة الخفية التي تسكن الإنسان، وتهمس له حين يخطئ، وتربّت على كتفه حين يُحسن. مسؤولية الضمير لا تُفرض من الخارج، ولا تُراقب بالكاميرات، لكنها تحكم تصرفاتنا في الغياب قبل الحضور، وفي السر قبل العلن.

من يحمل ضميرًا حيًّا، يحمل وطنًا داخليًا لا يتزعزع، يرفض الغش حتى لو مرّ، يرفض الظلم حتى لو سكت عنه الناس، ويرفض أن يربح شيئًا على حساب حقٍ ضائع.
مسؤولية الضمير تجعل الإنسان نزيهًا لا لأنه يُراقب، بل لأنه لا يستطيع أن يخون ما آمن به.

مسؤولية الأخلاق… العمود الفقري للمجتمع

الأخلاق ليست رفاهية، ولا ترفًا اجتماعيًا، بل هي البنية التحتية لأي حضارة. والمجتمعات التي تفقد أخلاقها، ولو بلغت القمم اقتصاديًا أو تكنولوجيًا، تنهار عاجلًا أو آجلًا.
من يحمل مسؤولية أخلاقية يعرف أن الكلمة أمانة، وأن الوعود دين، وأن احترام الآخر لا علاقة له بمكانته أو لونه أو دينه.

مسؤولية الأخلاق تظهر في أبسط المواقف: في تعاملنا مع من يخدمنا، في ردود أفعالنا حين نختلف، في نزاهتنا حتى حين لا يرانا أحد. وهي ما تجعل من الإنسان قدوة، لا بسلطته، بل بسلوكه.

المسؤولية الاجتماعية… حين يتجاوز الإنسان حدوده
أن تكون إنسانًا يعني أن تكون معنيًا بغيرك. وهذا ما تمثّله المسؤولية الاجتماعية في أبهى صورها. في عالم يتسارع، ويكاد يستهلك الإنسان في دوامة فردية، يظهر من يحمل على عاتقه سؤالًا بسيطًا: “هل أنا أُسهم في تحسين حياة الآخرين؟”.

من يلتزم بالمسؤولية الاجتماعية لا ينتظر التكريم، ولا الأضواء. يكفيه أن يضع بصمته في محيطه، أن يساهم في نشر قيم الحق والعدل، أن يُحسن حين يُسيء الآخرون، وأن يتكلم حين يصمت الجميع.

المسؤولية وقت الأزمات… المحكّ الحقيقي
لكن تظل اللحظات الفاصلة في حياة الأفراد والمجتمعات هي الأزمات. حين تتساقط الأقنعة، وتظهر الحقائق. في الأزمات، لا تنفع الشعارات، ولا الكلام المنمق. وحدها الأفعال تتحدث، ووحده صاحب المسؤولية الحقيقية يبادر.

رأينا هذا في وجوه الأطباء الذين لم يتركوا مواقعهم في أقسى لحظات الجائحة، في رجال الدفاع المدني وسط الحرائق، في معلمٍ يصرّ على التعليم رغم انقطاع الموارد، أو مواطنٍ عادي يمد يده لجار محتاج.

المسؤولية في الأزمات هي أن تتقدم لا أن تتراجع، أن تصنع الأمل لا أن تنشر الهلع، أن تتمسك بالقيم لا أن تساوم عليه

المسؤولية ليست مجرد التزام قانوني أو واجب مهني، إنها حالة إنسانية راقية، تبدأ من القلب وتنتهي في الأثر. وكل من حملها بصدق، صار أكبر من منصبه، وأقوى من ظروفه، وأجمل في عيون من حوله.

في عالمنا العربي، نحتاج أن نعيد الاعتبار لهذه القيمة، أن نزرعها في الأجيال، لا بالخطب، بل بالمواقف. لأن المجتمعات لا تنهض بالخوف، بل بالشجاعة. ولا باللوم، بل بتحمّل المسؤولية.

اضف تعليقك على المقال