يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

خيوط فكريّة لعودة الإمامة الحوثية إلى الحكم "١-2"

شعيب الاحمدي

 

 
الكاتب : شعيب الأحمدي 


إن الإمامة قديمًا وحديثًا، بمشروعها الاستعلائي، فكرة حكم دمويّ لا يقبل الحياة ولا التعايش بحريّة وكرامة. وما نشهده منذ عودة الإمامة بنسختها الحوثية للاستيلاء على الحكم، حين أعلنت انقلابها في 21 سبتمبر 2014م هو تأكيد للجرائم التاريخية المتوارثة ضد اليمنيين. لذا جاءت الصحوة الثورية مبكرًا، حيثُ رأى الأحرار اليمنيون أن لا حياة لهم إلا بعد التخلص من الإمامة كدولة سلالية بغيضة في الحكم والوجود. أول ما بدأ به الأحرار هو رفض الاستبداد السياسي والهيمنة العسكرية المتوكلية، والعمل على تصحيح الفكر الجمهوريّ المغتصب والتوعية بأهمّيّة الثورة.
 بدأ التمرد على الإمامة في مراحل عدة، أبرزها ثورة الوعي الدستورية عام 1948م، ثم حركة 55م و 58م و60م، توجت تلك المراحل الثورية بيوم خالد في وجدان اليمنيين 26 سبتمبر 1962م حيثُ انتصر اليمنيون لحقهم في العيش الكريم، وصنع الأحرار مجدًا وفكرًا وروحًا جديدة. 
عند تتبع الخيوط الفكريّة للإمامة، في أغوار حكمها البائد نجد أنها استخدمت على مر عقود من الزمن أسبابًا فكرية في حروبها الباردة، وأحدثت خلال العشر السنوات "2014-2024" أسوأ أزمة إنسانية في العالم. شنت الإمامة الحوثية حربًا -فكرية، سياسية، عسكرية- على اليمنيين، وشردتهم من منازلهم، وانتهكت حقوقهم، بوحشية وصلت إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة. وقد استغلت الدين لتبرير جرائمها، للاستيلاء على الجمهورية بصورة مفاجئة. 
يشير الكاتب والباحث اليمني عبدالفتاح البتول في كتابه "خيوط الظلام" في الفصل الأخير إلى أن الأحرار لم يتمكنوا من طمس هوية الإمامة كفكرة ومنهج، بعد سقوطها كدولة ملكية فاسدة وظالمة مستبدة، وسيئة الحكم : "لقد كان سقوط الإمامة كدولة ونظام بينما استمرت كفكرة ومنهج". هذا الاخفاق يعدّ فشلًا ذريعًا للجمهوريين، الذين لم يؤصلوا فكرة الثورة في روح الشعب اليمني الذي يعاني من دناسة الوجود السلالي، منذ نشأتها في شمال البلاد 284هـ. 
في نهاية الستينات، شعرت الإمامة بهوانها وضعفها أمام قوى الجمهورية، وبرز الحديث عن المصالحة الوطنيّة بين النظامين "الجمهوري والملكي" حيثُ أراد النظام الجمهوريّ وقف المعارك الدموية، وأراد الإماميون الدخول في جولة الصراع السياسي والفكري: "دخل الإماميون المصالحة رهبة لا رغبة، وضرورة لا قناعة، كان دخولهم في الجمهورية أفواجًا لنقل المواجهة من الحرب العسكرية إلى الأعمال الفكريّة "ص350. خلال فترة "1970-1990" توغل الفكر السلالي بعمل سري منظم، في أوساط الجمهوريين، مما أتاح للإمامة الحفاظ على وجودها الفكري. وهذه دلالات تؤكد عودة النسخة الأسوأ للإمامة -الحوثية- في تاريخ اليمن المعاصر، المتمسكين بكذبتهم التاريخية: الطهارة الإلهيّة، والاصطفاء الرباني، والرجوع العرقي لآل البيت.
 مع إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م وقيام الديمقراطية والتعددية السياسيّة في الوسط اليمني، استغلت الإمامة الفرصة لإعادة نشر الخرافة والعنصرية، من خلال إشهار ما يسمى "حزب الحق"  تأسس في أوائل 1991م كواجهة سياسية للأسر الهاشمية، وكان من بين رموزه "مجد الدين بن محمد المؤيد رئيس الهيئة العليا" و "بدر الدين الحوثي نائب رئيس الهيئة العليا". استغل الحزب الديمقراطية للنشر الخرافة وتبرير عودة الإمامة سياسيًا. وتفصيل البيان الذي قام به محمد عبدالله زبارة؛ أكد أنهم قاموا بتمحيص الإمامة كمصطلح سياسي، وليس كفكرة سوداء: "تطرق البيان للإمامة ككلمة ومصطلح سياسي عام، وليس كنظام محدد حكم اليمن مرتكزا على أفضلية عرق من البشر على غيره باحتكاره الإمامة فيه وعدم جواز خروجها عنه".
وفي انتخابات 93م حصل حزب الحق على مقعدين، في محافظة صعدة أحدهما "لحسين بدر الدين الحوثي الدائرة 294" عندما تعارض مع سياسة الحزب، استقال مع والده وأكثر من ثلاثة ألف فرد من أنصاره في، ورسموا خيالات واسعة للهيمنة على السلطة لم يتوقعها الشعب.
حيثُ أسسوا "حركة الشباب المؤمن" في العديد من المناطق الشمالية خاصة محافظة صعدة، وصنعاء القديمة".  وتعزز بالظهور عقب سقوطه في الانتخابات 97م، أكد البتول: "ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻨﻬﺞ اﻟﺘﻨﻈﻴﻤﻲ اﻟﺬي ﺟﻨﺢ ﻧﺤﻮ اﻟﻐﻠﻮ واﻟﺘﺸﺪد، وﺧﺮج ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺰﻳﺪي اﻟﻬﺎدوي إﱃ اﻟﻔﻜﺮ اﻟرافضي اﻻﺛﻨﻰ ﻋشري، ﻣﻊ التمسك بحصر الإمامة في البطنين الحسن والحسين وأبنائهما". ومشكلة السلطات قامت بدعم هذا التنظيم الهادوي باعتباره يقوم بأعمال دعوية وأنشطة تربوية!.
استندت هذه الحركة إلى أفكار طائفيّة ومتطرفة مستوحاة ﻣﻦ ﺣﺰب ﷲ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ، مستعينة بشعارات الموت ﻹسرائيل.. الموت ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ:  "أﺧﺬ ﺷﺒﺎب اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺗﺮدﻳﺪ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﺎر ﻛﻮاﺟﺐ دﻳﻨﻲ ﻋﻘﺐ ﺻ ﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﰲ المساﺟﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻴﻄﺮون ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻣﻨﻬﺎ ﺟﺎﻣﻊ اﻹﻣﺎم اﻟﻬﺎدي ﺑﺼﻌﺪة، والجامع الكبير بصنعاء".
وفي بداية العشرية الأولى ظهرت الإماميّة بصورتها الجديدة "الحركة الحوثية" المسلحة، وخاضت ستة حروب مع الجيش اليمني، لكنها سرعان ما هزمت عسكريا بعد مقتل الهالك حسين الحوثي، وخلال السنوات التي تلتها ظلت تعد نفسها عسكريا في السر ونشر مظلوميتها المزعومة. ومع اندلاع ثورة 2011م  انخرطت الجماعة الحوثية في صفوف الثورة، تحت مسمى جديد "أنصار الله" مستغلة الوضع، بسلام سياسي ومساواة. 
شهدت السنوات العشر الأخيرة خلال فترة - الحكومة الانتقالية "مؤتمر الحوار الوطني"- هيمنة الإمامة الحوثية السياسيّة -إسقاط الجرعة- خرجت بمسيرات سلمية في صنعاء بعد سقوط عمران عسكريا بأيديهم، وبهذه المظاهرات كسبت تأييد شعبي ورسمي من قبل القبائل والحكومة الراحلة بقيادة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
وبعد أن أشعلت حرب شاملة على اليمنيين 2014م استغلت العاطفة الدينيّة وشعارات محاربة العدوان، و الموت لأمريكا وإسرائيل، وعلى مدى عشرة أعوام من الحرب على اليمنيين، والإمامة الحوثية، تسعى لطمس هوية الثورة والجمهورية، من خلال تحريف المنهج الدراسي والدورات الطائفية، بالتزامن مع استغلال "الحرب الفلسطينية" مما أدى إلى استمرار المعاناة في ظل أطماع سلالية وإقصائية تسعى لإحياء ماضٍ استبدادي.

اضف تعليقك على المقال