يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

هكذا الحال عندما يلتقي أكبر محتال بأكبر مغفل!

الجمعة 14/أغسطس/2020 - الساعة: 3:03 م
هكذا الحال عندما يلتقي أكبر محتال بأكبر مغفل!
بلال الطيب بين فِكرة الدولة ودولة الفكرة، ثمة علاقة طردية من الصعب اختزالها، والتنافس الذي حصل خلال الـ «1150» عاماً الفائتة بين دول اليمن المُتعاقبة، ودولة «الإمامة الزيدية»، ما هو إلا صورة سوداوية لصراع يتكرر، ولو قرأنا تاريخ تلك الدول بتمعن، لوجدنا أنَّها جاءت امتدادًا للدولة التي تتجدد وتتطور وإنْ تغيرت مُسمياتها، بعكس فكرة الإمامة التي تمضي قُدُمًا دون تجديد، وإنْ تغيرت تفسيراتها، وتعددت أسماء من يتولون زمامها. وبمُقارنة فاحصة، نجد أنَّ مآثر تلك الدول المُتعاقبة - التي عاصرت دولة الإمامة - من مساجد ومدارس وحصون، ما زالت شاهدًا حيًا على أنَّهم كانوا هنا، ومروا من هنا، تُفصح بنبرة تباهٍ عن عظيم اهتمامهم بالأرض والإنسان. وما ذلك الكم الهائل من الموروث الذي صاغه من عاشوا في كنفهم - من علماء، وأدباء، ومؤرخين، إلا دليل واضح على أنَّ اليمن عاش عصره الذهبي في ظل تلك الدول، وبلغ مجده في عهد «الدولة الرسولية» التي استمرت لأكثر من قرنين وربع القرن من الزمن. وفي المُقابل أعيانا البحث عن حسنةٍ واحدةٍ، وأثرٍ جميلٍ لحكمِ الأئمة السلاليون، فلا شيء غير الدم والبارود، وتاريخٌ من الغزو والفيد، وجراحات ما زالت غائرة. وخُلاصة المُقارنة: شتان بين دول حضارية حفظت لنفسها صفحات ناصعة في كتب التاريخ، وبين إمامة عُصبوية لا تؤمن إلا بالعنف والاستحواذ، شعارها كان وما يزال: «فوق جيش، وتحت عيش»!!. وفي المُحصلة المأساوية لم يكن تمدد الإماميين الجدد محض صدفة أو ارتجال؛ فثمة ارتباط وثيق بين هؤلاء وماضيهم، تمامـًا كـ «بني إسرائيل»، استفادوا منه، وأعادوا تدويره، وحين انهارت الدولة من الداخل، حلوا محلها، بعد أن حفروا في أساساتها لتسهيل الانهيار، بالإضافة إلى ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية قاهرة خدمتهم. وبقراءة فاحصة لعوامل تمددهم، نجد أنَّهم اعتمدوا في الأساس على الدين المزيف، والأنصار المخدوعين، على اعتبار أنَّ دويلة الكهنوت تبدأ - كما أفاد الفيلسوف الفرنسي فولتير - عندما يلتقي أكبر مُحتال بأكبر مُغفل. ضربوا بعد ذلك القبائل الشمالية بعضها ببعض، حتى إذا ما استتب لهم أمرها، أطلقوها على الطرف الآخر، وذلك بعد أنْ غذوها بالنعرات المناطقية، والطائفية، والتكفيرية؛ كونها باعتقادهم أسرع وسيلة للتحشيد، خاصة في مُجتمع يغلب عليه الجهل، وتستوطنه ثقافة الفيد، وما شيوع مُفردات: «في عقر دارهم»، «اليمن حقنا» إلا لتكريس منطق التسلط والغلبة، وهي مُفردات اكتظت بها أدبيات الإماميين الجدد، كما اكتظت بها كتب أسلافهم من قبل، مع اختلاف بسيط في التشبيه والتسمية. عبر تاريخها الطويل، تنكمش «الإمامة الزيدية» إذا ما وجدت دولة وحاكمًا قويًا يَصُدها، وتتمدد إذا حصل العكس. والأكثر مرارة أنَّها - أي الإمامة - ظلت خلال هذه المدة الطويلة بنظر مُعتنقيها عقيدة، وجزءًا من الدين؛ ولهذا صعب على الأحرار الأوائل اجتثاثها. ظلت كامنة مُتحفزة كفكرة، وعاودت متى ما سنحت لها الفُرصة الظهور من جديد كدولة، وبصورة أكثر فظاعة. ومن هذا المُنطلق، وكي لا يظل التنافس والصراع بين فكرة الدولة، ودولة الفكرة حتى قيام الساعة، ينبغي علينا جميعًا التحرر من العصبية والعنصرية المقيتة، ومُجابهة الفكر الكهنوتي بالفكر العقلاني - من خلال العودة إلى الجذور، ونبش تاريخ الإجرام الإمامي، وإلغاء المذهب الأيديولوجي الحامل لهذه الفكرة الريديكالية المُتطرفة، والعابرة للأزمنة، وفضح وتعرية أربابها - من أطلقوا عليهم «الأئمة المُعتبرين»، وتعزيز حضور الجمهورية، وكل القيم الإنسانية النبيلة، وإزالة الحواجز المُعيقة لتحقيق الدولة الاتحادية العادلة، لا القفز عليها.

اضف تعليقك على الخبر