حنان الريفي/ يمن اتحادي - غزة
أعواماً كثيرة مضت ولا زالت الأندية في المحافظات الجنوبية تعاني من ضعف الإمكانيات والدعم ، وضعتها تحت مسؤوليات متعددة تجاه لاعبين كرة القدم الذين يحاولوا الاحتراف الحقيقي دون جدوى، مما دفعهم إلي الاحتراف المُبطن .
ولإغناء هذه القضية " المُهمة " في حياة كرة القدم الفلسطينية ، استطلعنا آراء عدد من الرياضيين والمهتمين ، فقد تُشكل هذه الآراء قضية " رأي عام ".
غياب ثقافة الاحتراف
يثير موضوع الاحتراف في كرة القدم جدلاً كبيراً في الأوساط الرياضية في المحافظات الجنوبية حيث يحتاج لاعبي كرة القدم لتنمیة ثقافتھم الرياضية والمعرفیة بخصوص الاحتراف الریاضي لأهميته الكبيرة للاعبین ، حتى لا یكونوا ضحیة ذكاء وتنافس بعض المعنیین في الأندیة .
فلعبة كرة القدم تنقسم إلي نظام الاحتراف ونظام الهواية ، ولكلا منهما أنظمة وقوانين ملزمة، فظاهرة الاحتراف منصوص عليها في لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحادات القارية ، وغالبية الاتحادات الوطنية أصبحت تطبق الاحتراف ، إلا أن ظاهرة الاحتراف " الحقيقي " غير موجودة في المحافظات الجنوبية ، مع وجودها بالمحافظات الشمالية من الوطن الواحد .
وكانت أندية الدرجة الممتازة في قطاع غزة قد ناقشت تطبيق الاحتراف في المحافظات الجنوبية, قبل عدة سنوات بعد أن قام الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بتوزيع لوائح وقوانين الاحتراف على الأندية ، إلا أن الأندية لم تصل لقرار تطبيقه بإدعاء عدم القدرة على الإفاء بالتزامات المالية تجاه اللاعبين .
الانتقال من الهواية للاحتراف
قال فتحي ابو العلا خبير تطوير رياضي: إن الانتقال من مرحلة الهواية إلي مرحلة الاحتراف هو الدخول في سوق المال والاستثمار وما يترتب عليه من التزامات قانونية ومالية تحددها مجموعة من المعايير والقوانين الدولية التي لا تتوفر حاليا لدي أنديتنا المحلية، فالمستفيد الوحيد عدد قليل من اللاعبين المميزين محلياً .
وأكمل أبو العلا : أن أنديتنا المحلية في المحافظات الجنوبية " قطاع غزة " لجأت إلى تطبيق أحد معايير الاحتراف الخاصة باللاعبين والمدربين بشكل عشوائي ، فقد أصبح موضوع التعاقد هواية يمارسها أعضاء من الإدارة أو ممولين للنادي بهدف الشهرة والتحكم.
صعوبة العودة إلي الوراء
ويشدد أبو العلا : أنه في ظل هذا الواقع بات من الصعب أو المستحيل التراجع عن الاحتراف المُبطن والعودة إلى الوراء، كما انه من الأصعب الانتقال من الهواية إلى الاحتراف بقفزة واحدة كما حصل في المحافظات الشمالية التي خدمتها مجموعة من الظروف الموضوعية ، والتي معظمها تعاني حاليا من نتائج هذه القفزة .
فتتجدد الأزمة المالية في كل موسم كروي في المحافظات الجنوبية دون تغيير، تحت ما يُسمى بالاحتراف المبطن الذي تسبب في إثارة العديد من المشاكل الإدارية والفنية إضافة إلى المشكلات المالية التي أرهقت ميزانيات الأندية وضاعفت من مصروفاتها ومديونياتها عشرات المرات وأصبح معظمها غير قادر على توفير الحد الأدنى من المتطلبات السنوية وكذلك إحجام الكفاءات للترشح لمجالس الإدارة .
اقتراحات ممكنة
ويقترح أبو العلا: البدء بالتدريج في خطوات السير نحو الاحتراف وتكون البداية بإعادة تنظيم انتقال اللاعبين بالتعاون بين الأندية واتحاد اللعبة ، إلي جانب وضع اللوائح والقوانين المحلية التي تنظم عقود اللاعبين والمدربين بما يراعي الظروف الاقتصادية المحلية في قطاع غزة ، ومتوسط الميزانيات السنوية للأندية
إضافة إلي مراعاة التوازن بين مصالح اللاعبين والمدربين ومصالح وإمكانيات الأندية عن طريق تصنيف اللاعبين إلى ثلاثة فئات وتحديد القيمة التسويقية لكل فئة بحدودها الدنيا و القصوة ، وتوثيق ذلك في لوائح محلية عن طريق اتحاد اللعبة لضمان حقوق اللاعبين وكذلك تحديد قيمة الامتيازات الخاصة للأندية بدل التدريب والرعاية التي تضمن حقوق الأندية .
ويشير أبو العلا :إلي إن معالجة هذا الموضوع سيؤدي إلي تقليص مصروفات الأندية للاعبين والمدربين ، وسيقلل بشكل كبير من الإشكاليات القائمة بين اللاعبين ومجالس إدارات الأندية، ويعطي فرصة وحرية أكبر لانتقال اللاعبين المحترفين في أندية الهواة ،والعمل على خلق جسم إداري محترف في كل نادي يراعي شروط ومعايير الاحتراف الدولي، وخلال عدة سنوات يمكننا والوصول إلى مرحلة الاحتراف الكامل والدخول في عالم التسويق والاستثمار في المجال الكروي الذي يحقق عائدا ماديا ومستويات فنية وإدارية تليق بسمعة الكرة الفلسطينية في قطاع غزة .
الاحتراف مفهوم مجزأ وخاطئ
وأشار عامر ابو رمضان رئيس نادي الهلال الرياضي : أن المشكلة تكمن في مفهوم الاحتراف لدى العاملين في مجال الرياضة في المحافظات الجنوبية " قطاع غزة " ، فهو مفهوم مجتزأ و خاطئ لأنهم يرون انه ينحصر في شراء لاعبين بمبالغ كبيرة .
ويُكمل ابو رمضان : أن الاحتراف كما هو معلوم عالمياً ، هو استثمار رأس المال الخاص في مجال العمل الرياضي ، من خلال تحويل الأندية إلى شركات ربحية تنشط في تنمية الواهب الرياضية، و تقديمها إلى السوق الرياضية و تحقيق أرباح مالية مقابل ذلك ، بالإضافة إلى تطوير المنشآت الرياضية لنفس الغرض ، و تحقيق أرباح من خلال الدعاية، و حقوق البث التلفزيوني، إلي جانب الملبوسات وغيرها، وعلى ذلك يصبح الاحتراف الرياضي فرصة لتحقيق الربح وليس العكس.
أزمة خانقة ومبالغ ضخمة
يقول زكريا الكفارنة رئيس نادي بيت حانون الأهلي : إن "الاحتراف في كرة القدم " بصورته العامة لا يمكن تطبيقه في المحافظات الجنوبية ، فالأندية الفلسطينية في المحافظات الجنوبية التي ترغب في البقاء في المشهد ، جعلها تُعاني من أزمة مالية خانقة ، خاصة ارتفاع أجور اللاعبين والتي تزيد عن ثمانية ألاف دولار لكل لاعب في الموسم الواحد ، ولعدد أكثر من" 18" لاعبا ، وصولا إلي مبالغ كبيرة أصبحت ترهق الصناديق المالية الخاوية، غير المديونيات العالية ، مما يضع أعضاء مجالس الإدارة تحت ضغط مستمر ،فلا حل أمامها إلا لتطبيق الاحتراف بطريقة "ملتوية " في ظل المنافسة القوية بين الأندية ورغبتهم في استقطاب اللاعبين المهرة ، إلا أن في قطاع غزة أندية غير معترف بها، لا يتم استدعاء لاعبوها للمنتخب إلا القليل .
ورغم تأخر منحة السيد الرئيس محمود عباس والتي تصرف من خلال المجلس الأعلى للشباب والرياضة ، والشركات الراعية إلا أن الأندية تتسابق في شراء اللاعبين بمبالغ ضخمة في بداية الموسم أو بين الموسمين للنجاة من التراجع في درجاتها ، مما أدي إلي تجاوز ميزانيات الأندية الـ100,000 ألف دولار، فأصبحت إدارات الأندية عاجزة عن تأمين وتوفير مبلغ محترم للاعبيها ، في حين أن ما تقدمه الشركات الراعية لكرة القدم بغزة لا يقارن بما يُقدم لدوري المحترفين في الضفة ، وللأسف أُجبرنا على تطبيق الاحتراف المُبطن .
عدد الأندية الكبير
وأضاف الكفارنة أن العدد الهائل للأندية الغزية "54 " نادياً ما بين فاعلة وانتظار ، والتفاوت في مستوياتها وشعبيتها الجماهيرية ونظام الصعود والهبوط بين الدرجات، يُمكن إعادة صياغته بحيث يكون هناك" 3 " درجات فقط ، ممتازة - محترفين، والفئة الثانية درجة أولى أو احتراف جزئي، ودرجة ثانية فقط، وكل درجة بها "14" نادياً وبعدد "42" نادِ فقط ، ومن الضروري أن تتم مراجعه هيكليات اتحاد كرة القدم والأندية بدرجاتها المختلفة .
بورصة اللاعبين
ويضيف النجم محمود النيرب لاعب خدمات رفح : أنه من وجهة نظري لا يوجد احتراف مبطن ، كل ما في الأمر، أصبح هناك تحسين علي المستوي المالي عند لاعبين الأندية المرتبطين في أنديتهم، وارتفاع نوعا ما للاعبين الذين يمتلكون ورقة الاستغناء، و هم المستفيدين الأكبر من ارتفاع دفع الأموال التي سببها تضارب الأندية في بعضها وبعض الأندية التي تملك المال كلمة احتراف كبيرة جدا ، ويجب أن تتوفر العديد من المقومات لكي تتحقق.
ويُكمل النيرب: من الصعب جداً في ضل الأوضاع التي نعيشها تطبيق احتراف حتي لو جزئي ، فتنقلات لاعبين كرة القدم في المحافظات الجنوبية "قطاع غزة " بصفقات معلنة من ناد إلى أخر تجعل الرابح الأكبر من التنقلات لاعبي كرة القدم بمحافظات غزة.
تنقلات المدربين الساخنة
ؤ بعد انتهاء كل موسم كروي ، تبدأ سياسة تدوير المدربين في قطاع غزة ، وتتفاوت أسعار المدربين وخصوصا إن كان المدرب قد قاد الفريق إلي طريق الانتصارات ، فتسعى الأندية للتعاقد معه، مما يزيد من " سعره " المادي وصولا إلي أسعار خيالية .
يُبين الكابتن صائب جندية مدرب سابق للمنتخب الفلسطيني : أن الرياضة أصبحت تعتمد بشكل كبير على المال وخاصة كرة القدم في السنوات الأخيرة ، فيوجد على صعيد دولة فلسطين ، دوري المحترفين في المحافظات الشمالية و في المحافظات الجنوبية الدرجة الممتازة ، الذي لم يصل بشكل رسمي للاحتراف رغم الاحتراف المبطن ، مما يجعل اغلب الأندية توقع اتفاقات مع بداية كل موسم على المقابل المادي للاعب والمدرب، ولكن قيمة هذه الاتفاقيات (العقد) ليست مسجلة أو مثبتة بالاتحاد .
ويوضح جندية : أن وجود العقود والمقابل المادي بين المدربين و الأندية واللاعبين ليس كما هو معمول به فعلياً، خاصة أن أندية في المحافظات الجنوبية ليس لديها دخل ثابت والوضع الاقتصادي غير مستقر ، وفي كل موسم تعاني إدارات الأندية من سداد قيمة العقود في المحافظات الجنوبية للاعبين و حتي المدربين ، ولا يوجد مع الأسف أفاق دعم مالي للأندية سوي من منحة الرئيس والرعاية التي يجلبها رئيس الاتحاد الفلسطيني اللواء جبريل الرجوب بجهوده الشخصية ، والتي قد لا تكفي المنحة و الرعاية ، فتظل الأندية في دوامة " الديون" .
من جهته نوه الكابتن محمود زقوت المحاضر الأسيوي لمدربي كرة القدم : أن الاحتراف يعتبر أحد أهم عمليات تطوير كرة القدم لأنه يعطي الأمان للمنظومة ككل ، ولكن مع الأسف ننظر للاحتراف باتجاه واحد وهو الجانب المادي في ظل الصعوبات الكبيرة لمجالس إدارات الأندية لتوفير ميزانيات و تيسير أمور فرقهم .
وشدد زقوت: أنه على يقين ، أن نفس المبالغ ممكن أن تصرف على الفريق في ظل الاحتراف المعلن والملاعب موجودة وباقي أركان عملية الاحتراف إيجادها من أشخاص بكفاءة إدارية ، بشكل أسهل مما نتصور بالمقابل المردود علي الفرق سيكون كبير .
فيما أضاف الكابتن غسان البلعاوي وهو مدرب كرة قدم محترف : انه مع الاحتراف العلني، فهو لا شك سيكون أفضل، ولكن الأندية لا تمتلك مقومات الاحتراف بصراحة ، والسبب الأول والقوي هو افتقارها للمبالغ المالية الكبيرة إلي جانب عدم وجود آليات للتسويق ، وعدم وجود إستاد لكل فريق ، وملعب تدريب لكل نادي ، و حتي إن كان لبعض الأندية ملاعب ولكن لا يكفي .
وأكد بلعاوي : أن الاحتراف يطبق في الضفة الفلسطينية، وعلى اللاعب المحترف التواجد بالضفة للالتحاق بالاتحاد الآسيوي ، وتبلغ قيمة أجرة كل مدرب كحد أدنى 5 آلاف دولار وحد أدنى لكل لاعب 2000 إلى 3000 دولار، ويتم توفير إستاد وعمل لجان تسويق ، وقطاع غزة تفتقر لكل هذه المقومات .
الاحتراف يحتاج إلي مقومات
و كتب الصحفي هشام ساق الله :عبر مدونته " مشاغبات " حول الاحتراف المبطن ، منذ بدء الاحتراف المبطن في قطاع غزة ، لا احد يعترض أو يحتج ، الديون والمصاريف كبيرة، والأموال تدفع لكل عناصر اللعبة من لاعبين ومدربين وإداريين ، مما يُحمل مجالس إدارات الأندية أعباء هذا الاحتراف الظالم ، و لم يعد مكان للانتماء والتطوع سوى للجماهير التي تشجع أنديتها حباً بها .
وأشار ساق الله : أن الاحتراف المبطن يحتاج إلي مقومات منها ، أن يكون الوضع الاقتصادي قوي في قطاع غزة حتي يستقطب الشركات الراعية للرياضة لكي تدعم الأندية ، إلي جانب أن الدعم الحالي للأندية لايكفي متطلباتها من ديون بسبب الاحتراف المبطن ،فرؤساء الأندية دخلوا في دوامة الاحتراف المبطن ولا يستطيعون التراجع ، مشدداً على ضرورة البحث عن مصادر تمويل خارجية للأندية من خلال إداراتها لتدعم احتياجات اللاعبين .
الاحتراف ضرورة لتطوير المستوى الفني
و يقول إبراهيم أبو الشيخ وهو صحافي مخضرم : الاحتراف ضرورة يجب العمل تطبيقه في المحافظات الجنوبية لتطوير واقع كرة القدم ، وللاحتراف مستلزمات وشروط كثيرة وضعها الإتحاد الآسيوي لكرة القدم ، فالأندية تصبح بالاحتراف شركات مملوكة لأشخاص أو شركات مساهمة ، وعلى الجميع التعاون من أجل توفير المناخ المناسب للوصول الى تطبيق الاحتراف .
ويُكمل : وقد يكون " المال " هو أحد أهم شروط نجاح تطبيق الاحتراف في كرة القدم ، فهو الذي يخلق البنية التحتية ، و به يتم التعاقد مع اللاعبين ، وعندما تتوفر البيئة المناسبة للاعبي كرة القدم في المحافظات الجنوبية أعتقد جازما بأن المستوى الفني للعبة سيتطور سريعا ،لأن القطاع يمتلك مخزونا هائلا من اللاعبين الموهوبين.
وتطبيق الاحتراف وانتشار اللعبة على مستوى إعلامي خارجي مرئي بنقل المباريات، سيساعد على معرفة المحيط العربي ، وحتى الخليجي، بأن فلسطين لديها مواهب كروية من الممكن أن تلعب ضمن أقوى الفرق عربياً وآسيوياً ، ووجود لاعبين في دوريات آسيوية وعربية يؤكد أن المنتخب الوطني الفلسطيني سيصبح في حالة فنية أفضل مما كان في الآونة الأخيرة .
وأخيرا ...
و لا تزال الأندية بالمحافظات الجنوبية بمختلف درجاتها الكروية وفرقها الرياضية لكرة القدم ، تحتاج إلى الكثير من الأمور لتطوير واقعها ، وخاصة مع وجود إدارات احترافية ، على دراية كبيرة في إدارة شئون اللعبة ، وقادرة على توفير المال من أجل الوصول إلى مستويات أفضل مما هي عليه كرة القدم الآن ، ولا سبيل للعودة للخلف بعيدا عن عقود مع لاعبي كرة القدم ، فهذا أمر تم تجاوزه منذ عدة سنوات ، ولن نجد أي لاعب سيلعب كرة القدم مقابل توفير الأدوات الرياضية والمواصلات ، فليس هناك لاعب سيلعب من اجل اللعب فقط .
اضف تعليقك على الخبر