- عارض الصورأخبار محليةتقارير وحوارات

الهروب إلى الأمام.. ما دلالات تصعيد “الانتقالي” في عدن؟

يمن اتحادي – متابعات*

في الوقت الذي يتزايد فيه السخط الشعبي في العاصمة المؤقتة عدن ضد ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، بسبب فشله في توفير الخدمات العامة للمواطنين ووضع حد للانفلات الأمني، منذ تعيين محافظ لعدن ينتمي لـ”الانتقالي”، عاد رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، قادما من دولة الإمارات لإحياء الذكرى الرابعة لما يسمى “إعلان عدن” الذي كان مقدمة لتأسيس المجلس الانتقالي، مهددا بالتصعيد ضد السلطة الشرعية التي أصبح الانتقالي جزءا منها بعد تنفيذ بعض بنود اتفاق الرياض، في محاولة للهروب إلى الأمام من الواقع المر الذي تعيشه محافظة عدن تحت إدارة الانتقالي.

كما هدد الزبيدي بإعلان ما وصفه بـ”النفير العام” والعودة لإعلان الإدارة الذاتية للجنوب الذي تراجع عنه “الانتقالي” في نهاية يوليو الماضي، لتنفيذ تطبيق اتفاق الرياض الموقع مع الحكومة الشرعية في 5 نوفمبر 2019. وقال إن للصبر حدودا أمام ما وصفها بـ”سياسات التنكيل والعقاب الجماعي التي تستهدف شعبنا، وإن خيارات المجلس مفتوحة لمعالجة قضايا شعبنا بما يلبي تطلعاتهم”. وفي حين تعهد الزبيدي بتحقيق ما وصفها بـ”مطالب شعب الجنوب باستعادة دولته”، فإنه في نفس الوقت دعا الحكومة الشرعية إلى العودة إلى عدن لممارسة مهامها، بعد طردها من هناك.

– ما دلالات التصعيد؟

يأتي تصعيد ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا ضد السلطة الشرعية بعد زيارات لبعض قادته إلى دولة الإمارات، بينهم رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، الذي عاد إلى عدن على متن طائرة إماراتية لإحياء الذكرى الرابعة لما يسمى “إعلان عدن” الذي كان مقدمة لتأسيس الانتقالي.

وظهرت بصمات الممول الإماراتي بوضوح في تصعيد أدواتها في اليمن، مليشيات المجلس الانتقالي ومليشيات طارق صالح، حيث يسعى كلٌّ منها إلى إلى فرض نفسه كطرف سياسي في مشاورات السلام للحصول على مكاسب خاصة تضمن حيوية الدور الإماراتي التخريبي في اليمن، وتتجلى بصمات الدور الإماراتي في تطابق الخطاب السياسي لأدواتها في عدن وفي الساحل الغربي للبلاد، أي أن ذلك الخطاب والتصعيد المتطابق مصدره مطبخ سياسي واحد.

ففي كلمته بمناسبة الذكرى الرابعة لـ”إعلان عدن” وتأسيس الانتقالي، أشار عيدروس الزبيدي إلى أن المرحلة المقبلة موعودة بتحقيق انتصارات سياسية، ويقصد بذلك إشراك “الانتقالي” في أي مشاورات سياسية مقبلة كممثل عن الجنوب تعويلا منه على نجاح مفاوضات مسقط قبل فشلها، وهي خطوة مشابهة لما قام به نجل شقيق الرئيس السابق علي صالح، طارق صالح، في الساحل الغربي، الذي شكل مكتبا سياسيا قبل أسابيع ليكون واجهته في تحويل تشكيلاته العسكرية الممولة إماراتيا إلى كيان سياسي يسعى للمشاركة في أي مشاورات مقبلة لحل الأزمة اليمنية للحصول على مكاسب خاصة.

وفي محاولة منه للتغطية على التصدعات التي حدثت في الآونة الأخيرة في صفوف المجلس الانتقالي، قال الزبيدي -في كلمته- إن “الانتقالي تمكن وخلال ثلاثة أعوام فقط أن ينتزع اعتراف الأصدقاء وقبل ذلك الخصوم الذين سعوا إلى وأده وإضعافه”، وهو بذلك يضلل أنصاره لصرف أنظارهم عن فشل المجلس في توفير الخدمات العامة للمواطنين في العاصمة المؤقتة عدن بعد تعيين محافظ لها من “الانتقالي”، وفشل أيضا في وضع حد للانفلات الأمني الذي تشهده عدن منذ سيطرة المجلس عليها بدعم إماراتي، وتسبب ذلك في تصدعات في صفوف المجلس وتقديم بعض قياداته استقالاتهم منه.

كما أن توقيت التصعيد الأخير للانتقالي ضد السلطة الشرعية يأتي بعد فشل محاولات الحوثيين المتكررة للسيطرة على محافظة مأرب، ما يعني تلاشي رهان الانتقالي على سقوط مأرب بيد الحوثيين والحوار معهم بعد ذلك بشأن الانفصال، وفق تصريحات سابقة لرئيس المجلس عيدروس الزبيدي، بالإضافة إلى تحريضه ضد المنطقة العسكرية الأولى في سيئون الموالية للسلطة الشرعية، أي أن الانتقالي يرى أن عامل شرعنة وجوده في الجنوب هو سيطرة الحوثيين على شمال اليمن، سواء من خلال الحرب أو المفاوضات، ليؤول مصير شمال البلاد للحوثيين وجنوبها لصالح مليشيات الانتقالي.

يضاف إلى ذلك أن تناقض الزبيدي في خطابه يعكس ارتباك وتشوش رؤية “الانتقالي” وعدم قدرته على احتكار تمثيل الجنوب أو الوصاية عليه، فالزبيدي في خطابه يتعهد بتحقيق مشروع الانفصال، وبنفس الوقت يطالب الحكومة الشرعية بالعودة إلى عدن وممارسة مهمامها منها وتوفير الخدمات العامة للمواطنين وصرف الرواتب، ويؤكد أنه مع استكمال الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض، وبنفس الوقت يعمل على عرقلة تنفيذه، ويرفض قرارات السلطة الشرعية واصفا إياها بأنها أحادية الجانب، ويطالب بإلغائها، ويريد أن يكون الانتقالي سلطة عليا فوق السلطة الشرعية التي أصبح جزءا منها.

– ماذا بعد؟

لم يعد تهديد الانتقالي بالتصعيد العسكري أو غيره يشكل وسيلة فعالة لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية، فالتصعيد الذي بلغ ذروته في أواخر 2019 كادت نتيجته أن تكون كارثية على الانتقالي لولا تدخل الطيران الحربي الإماراتي الذي شن هجوما عنيفا على القوات الحكومية في أحد مداخل مدينة عدن لاستعادة السيطرة عليها، ومنذ ذلك الحين تراكمت عدة عوامل دافعة للكراهية ضد المجلس من قبل مختلف المكونات الجنوبية الأخرى، نتيجة شيوع مواقف سلبية صادرة من الانتقالي أحيت ثارات تاريخية وعداوات مناطقية، كما أن الانتقالي ينتهج أسلوب إدارة قابل لإنتاج صراعات مناطقية وقبلية متفاوتة من منطقة إلى أخرى، ومؤثر سلبيا في التفاعلات بين مختلف مكونات المجتمع في الجنوب.

وزاد الطين بلة البنية المناطقية العنصرية والعنيفة للانتقالي، مما أثار مخاوف بقية مكونات المجتمع في الجنوب، فظهرت ردا على ذلك عدة مكونات سياسية جنوبية مناهضة للانتقالي، لأنه عندما تشتد حدة الموقف السلبي إزاء الآخر، يزداد الميل إلى تشكيل كيانات سياسية على خطوط الانقسام القبلي والمناطقي، وتظهر على إثر ذلك صراعات مركبة، والنتيجة أن الانتقالي سيجد نفسه محاطا بعدة خصوم، وإذا أعلن التصعيد، ووصل الصراع إلى ذروته، سيجد نفسه أمام سيناريو كارثي يهدد وجوده ويهدد ما تحقق له من مكاسب سياسية بعد تصعيده في أغسطس 2019، رغم أن ذلك التصعيد ارتد وبالا عليه، لكن تم إنقاذه عسكريا بواسطة الطيران الحربي الإماراتي، ثم إنقاذه سياسيا من خلال اتفاق الرياض.
*قناة بلقيس – عبد السلام قائد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى