ارسال بالايميل :
6415
يمن اتحادي/
بقلم / سمير القاسمي:
كل شيء على مايرام ، هدوء الليل يقتل ضجيج النهار ، طفل صغير يتوسط أخوته يتميز بنحالة جسدة ، يحاول أن ترتفع معزوفته حتى تُسمع ، صدحت الحانه الى مسامع كل من بجانبه ، صمت الكل والتفتوا إليه اعجابا رغم انه الاصغر بين الحاضرين ، صاح بهم كبير العازفين بأن يتوقفوا عن الهذيان ، ويتركوا هذا الصبي يطرب أبصارهم قبل اسماعهم ، خرج من وسطهم مبتسما واثقا من خطواته فوق ذلك المسرح الانيق ، بدأ بالعزف منفردا تلاعب بالكرة وتراقص بها بين قدميه كأنه في سيرك يلاعب أسد مفترس وبمهارة منقطعة النظير ، ليكمل العرض وتضج الصاله بالتصفيق ويقف الحاضرون رافعين قبعاتهم لهذا المبدع الذي حول كرة القدم الى موسيقى متعددة الانغام والالحان !
حان وقت الظهور في مسرح المدينة ، الوقت لم يعد كما كان فالموهوب اصبح مرغوبا للجمهور ، ومسرح الكبسي تهيأ بحلته الخضراء لأستقبال زرياب الانيق ، وضع قدماه على العشب الطبيعي بوجل ، كان يختفي خلف زملائه محاولا تحاشي النظرات التي ترمقه من المدرجات ، تعود على ذلك مع مرور الوقت لم يعد يتحاشى النظرات ، بل اصبح متعودا عليها ، وعندما يغيب الجمهور ونظراته كان يختفي بريقه ويضع حسه الموسيقي ، هذا الزرياب الصغير والعازف الانيق ادمن العزف على ضجيج الجماهير والحناجر المشتعله في المدرجات ، سنوات هو يسطر الابداع على شاكلة لاعب كرة قدم موهوب يسجل الاهداف من كل الطرق وبكافة الالوان ، من خارج منطقة الجزاء ومن منتصف الملعب يسجل ، هدفا مقصي ولولبي حتى من الركنية ، نعم من ابعد منطقة على المرمى سجل منها اهدافا ، اخبرتكم أن هذه هو مبتكر الانغام والالحان ، من دمج بين موسيقى الشرق والغرب واخرج منها موشحات اندلسية مازالت تطرب الاذان حتى يومنا هذا !
إيهاب النزيلي النجم الممتع واللاعب الشعباوي الذي اطرب المدينة الخضراء ، صنع بقدميه اسما للمحافظة الاجمل في اليمن ، كان يعتبر جمهور العنيد تواجده امان ونعمة انعمها الله عليهم ، حتى جمهور المنتخب كان يعشقه ويتمناه لاعبا متواجدا في التشكيلة عند غيابه ، زرياب ومن مثل زرياب عندما يدخل الميدان ، إيهاب ومن مثل إيهاب سليل عائلة النزيلي ونجمهم الذي اجتاز طريق التعليم حتى وصل الى اعلى مراتبها وجمع بين تعليم الاجيال وإخراج الالحان والمعزوفات الممتعه ، إيهاب يعشق المركز الاول وكل مكان يذهب إليه او عمل يقوم به يكون في مقدمة الصفوف او يترك ذلك العمل والمكان ، هكذا عرف الجمهور الرياضي بطل وموسيقار وزرياب لايشق له غبار !
كل شىء كان كما هو ، أو يبدو كذلك . قائد الأوركسترا لا زال يرتدى رابطة العنق ويشير بكامل أناقته لباقى الفريق لكى يستمر اللحن ، اللحن الذى استمر صداه على مدى سنوات بين جنبات الملاعب ، العزف بالقدم هى مهارة أجادها إيهاب وأتقنها ، الكرة كانت ألته المفضلة التى تخرج منها سيمفونياته الممزوجة بحناجر الجماهير ودوى تصفيقاتهم التى تصنع مزيجا من الموسيقى المرئية والمسموعة فى أن واحد ، إرسالها لأكثر من سبعين مترا أو تمريرها على الأرض ، تسديدها فى الزاوية ال 90 من المرمى لتعانقها كلها ألحان خرجت من قدم المايسترو وقائد الأوركسترا لتلمع لها أعيننا قبل أن تطرب أذاننا ، وربما حتى نشعر بتذوقها فى أفواهنا حين تصل المتعة ذروتها ، حكاية موسيقية أمتعتنا لسنوات وسنوات ، رسخت فى أذهاننا أن الموسيقى من الممكن لها أن تمتزج بكرة القدم لأنها فى بعض الأحيان تكون جزءا منها من الأساس ، الأناقة أيضا ترتبط بكليهما ارتباطا لم يوثقه أحدهم مثلما وثقه وصدق عليه الموسيقار الأنيق ، وبالامس قائد الأوركسترا خلع رابطة عنقه وقميصه وترك عصاه وألته ، وترك مسارح كرة القدم بعد أن إسدال الستار على أخر ألحانه التى بدأ صداها يبتعد شيئا فشيء ، موسيقى زرياب اليمن تخفت مع مرور الوقت فقط العشاق والمجاذيب يتذكرون مافعله داخل المستطيل الاخضر ، صدى الموسيقى خفت واصبح ذلك العزف الجميل من الماضي ولازالت إب تفتخر بزريابها الذي ترك الملاعب وغادرها منذ زمن ودوي انغامه لازال يسمع ولم يسكن بعد !
اضف تعليقك على الخبر