حمدي منصور، ذلك الشاب اليمني الذي شق طريقه نحو العالمية في رياضة الكُنغ فو، يمثل قصة استثنائية مليئة بالإصرار والتحدي، وحكاية تستحق أن تُروى وتُستوحي منها الأجيال. وُلد في صنعاء، وكأن الحياة قد غرزت في قلبه صلابة الأرض اليمنية وشموخ جبالها، فمنذ نعومة أظفاره، لم يكن حمدي شابًا عاديًا، بل كان مثالاً للجدية والإصرار، حتى صار رمزا للإنجاز وواجهة لرياضة الوطن في المحافل العالمية.
الحلم الأول.. ألف ريال تحدى بها الفقر..
كان حلم حمدي أن يصبح بطلًا في الكُنغ فو، لكن ذلك الحلم لم يكن في متناول يده في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. رغم كل الصعوبات، بحث حمدي عن نادٍ ليتدرب فيه، ووجد أحد الأندية في صنعاء، لكن الفرصة لم تكن بلا ثمن، فحينها كان على حمدي دفع رسومٍ قدرها ألف ريال يمني، مبلغٌ قد يبدو بسيطًا للبعض، لكنه كان عائقًا كبيرًا أمام فتى طموح. ورغم ذلك، لم يفقد حمدي الأمل، وأصر على طرق الأبواب مرارًا، حتى لاحظ مدربه الصيني إصراره واستشعر قوته الكامنة، فقرر دعمه، وأتاح له الانضمام إلى الفريق الوطني بدون رسوم.
إشراقة الفرح الأول.. بداية مسيرة الأبطال..
كأن الدنيا منحت حمدي إحدى أجمل هداياها، انضمامه إلى الفريق الوطني بقرار من مدربه الصيني كانت لحظة فارقة في حياته، شعر بالفرح كمن عثر على كنز وسط الصحراء، وانطلقت مسيرته نحو حلم البطولة من تلك اللحظة، ورغم الصعوبات التي واجهها بعد ذلك من بعض المسؤولين في الاتحاد، إلا أن مدربه الصيني وقف بجانبه، صامدًا أمام كل من حاولوا إيقاف حمدي، مراهناً عليه ومؤمناً بقدراته، فكان بمثابة شعلة لا تنطفئ، تتقد حماسًا وتدفعه للأمام.
أول انتصار عالمي.. من حلم إلى واقع..
تسابق الزمن وحمل حمدي راية اليمن لأول مرة في بطولة العالم للناشئين في الصين، كان في ميدان البطولة كمن يخوض معركة حياة أو موت، وأثبت أمام الجميع أنه بطل حقيقي، فقد عاد إلى وطنه محملاً بالإنجاز، ورُفع علم اليمن في واحدة من أبرز المحافل الرياضية. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد حمدي مجرد رياضي، بل أصبح رمزًا للوطن يُفتخر به، حيث استمر في المشاركة في مختلف البطولات المحلية والدولية والعالمية، وحصد العديد من الميداليات الملونة، فيما كانت الميداليات الذهبية ترافق اسمه أكثر من أي لون آخر.
التضحيات وراء الألقاب.. إنجازات بنكهة الصبر والعزيمة..
لم يكن مشوار حمدي معبّدًا بالورود، ففي كل مرة يعتلي منصة التتويج كانت هناك تحديات خفية وأثمان دفعها من راحته وماله. ففي بعض البطولات، لم يجد دعمًا للسفر، واضطر إلى تمويل رحلاته بنفسه. ورغم ذلك، كانت عزيمته أقوى من أي تحدٍ، ليعود في كل مرة إلى بلده محققًا الذهب، كأنما يقول لمن شككوا فيه أو عرقلوا مسيرته: ( إن الذهب لا ينكسر، وراية اليمن لا تُنكس)، وبهذا أظهر حمدي قدرةً نادرةً على مواجهة الصعاب وتحقيق النجاح رغم كل الظروف.
الإصابة الحادة.. وصمود البطل..
في العام 2017، تعرض حمدي لإصابة خطيرة في الرباط الصليبي أثناء معسكر تدريبي، بعد أن حصل في نفس العام على المركز الأول في بطولة العالم التي أُقيمت في بلد المنشأ للرياضة الكونغو فو "الصين العظيم"، كانت تلك اللحظة بمثابة امتحان جديد له، فقد أغلقت أبواب الدعم في وجهه، واضطر لتغطية تكاليف علاجه بنفسه، بينما تجرع الألم وصارع الوقت حتى يتعافى ويعود إلى الملاعب. مرت عليه أربع سنوات من التمارين الشخصية، مدفوعة بروح التحدي والإصرار، حتى عاد بقوة ليحصد اليوم ثلاث ذهبيات وصاحب اعلى نقاط في بطولة الاندية العربية للكونغ فو، مُثبتًا للعالم أن البطل الحقيقي لا يسقط، بل يعود أقوى وأكثر إصرارًا.
طموح لا ينتهي.. بطل فوق الحلبة وخلف الكاميرا..
لم يكتفِ حمدي بالبطولات الرياضية فقط، بل خاض غمار الفن في مصر، حيث درس الإخراج السينمائي والتمثيل، وصقل مهاراته في التصوير السينمائي لأكثر من عشرة أعوام، مُشبعًا شغفه في المجال الفني كما أشبع طموحه الرياضي. طلب منه نادي اتحاد الشرطة في القاهرة أن يلعب معهم كمحترف اثناء فترة تواجده في القاهرة، فاستمر في تحقيق الذهبية هناك أيضًا، ولا يعد ذلك شيئا غريبا على بطلنا.
وفي عالم الإعلام والسينما صار له شأنٌ لا يقل عن إنجازاته الاخرى، حيث عمل على إنتاج العديد من الأعمال المميزة سواء داخل اليمن أو في بلد الاغتراب. وكما أعرِفه جيدا في موقع التصوير يتصف بالجدية والإصرار على تقديم العمل في أفضل صورة، لا يترك للهاتف أو لوسائل التواصل الاجتماعي مكانًا يلهيه عن العمل، ينسى نفسه من الطعام حتى يجوع باقي الفريق ويخرج عن صمته ليذكروه قائلين وبلهجتهم البسيطة : (جوعتنا يا مخرج نشتي ناكل).
حمدي منصور.. أسطورة للإلهام..
اليوم.. يقف حمدي منصور كقدوة يُحتذى بها، فهو لم يترك الإحباطات ولا المعوقات تقف حجر عثرة امام انطلاقته، بل حولها إلى سلّم يرتقي به نحو مجدٍ أكبر. في كل انتصارٍ يحققه، يُعلمنا أن البطولة ليست فقط في عدد الميداليات، بل هي في الإرادة والإصرار على تخطي المستحيل. استطاع أن يكمل دراسته الجامعية مرتين، واحدة في اليمن وأخرى في مصر، ولم ينشغل بالمحبطين ولا بمن حاولوا إعاقته عن شغفه سواء في الرياضة أو في المجال الفني.
ورغم كل إنجازاته، لا يزال بطلنا يحمل في قلبه حلمًا عزيزًا عليه، أن يصبح بطلا في شاشة السينما وصانع أفلام سينمائية على المستوى المحلي والدولي. لقد راوده هذا الحلم طويلاً، وكان يراه كأفقٍ جديدٍ ينقل عبره شغفه وإبداعه إلى الشاشة. وقد خاص بعض التجارب المميزة، لكن الطريق لم يكن سهلًا، ولم تُتح له الفرصة الكاملة لتحقيق هذا الطموح حتى الآن. ومع ذلك، فأنا واثقٌ أنه لم يتخلَّ عن هذا الحلم، اعرفه جيداً لا يعرف التراجع، وسيظل يسعى بكل ما أوتي من قوة وإصرار ليصل إلى هذا الهدف، ويبني بصمته في السينما اليمنية، تمامًا كما فعل في ميادين الكونغو فو، احمل له كل امنياتي بالتوفيق والنجاح.
حمدي منصور أنت نموذج يُحتذى به لكل شاب، تُعلّمُنا أن النجاح لا يُهدى بل يُنحت بالصبر والإصرار، وأن من يحمل طموحًا صادقًا ورغبة قوية لن يُعيقه شيء عن بلوغ هدفه. واليوم، وبكل فخر، نرفع رؤوسنا عاليًا بهذا البطل، نبارك لأنفسنا بإنجازاته، ونقول له: (أنت فخر اليمن، ورمز الطموح والإلهام لكل من يحمل حلمًا ويسعى لتحقيقه، لقد أبهرتنا بقوة إرادتك، وأثبت لنا أن اليمني الصادق قادر على تحقيق المستحيل).
وفي النهاية، دعوني أقولها بفخر وابتسامة: حمدي ليس مجرد بطل عالمي بالنسبة لي، ومخرج سينمائي محترف. بل هو أخي، شقيقي، إرادته الحديدية ورثها من الجبال اليمنية الشامخة الراسخة من فرط صبره وصلابته، وبينما يزداد تألقا، أجدني قائلاً: (أخي حمدي لا يكتفي برفع الأثقال والميداليات.. بل يرفع رؤوسنا عالية أينما حلّ)..
اخوك الأصغر
عمار منصور
اضف تعليقك على الخبر