ارسال بالايميل :
327
بقلم / سام الغباري
إذ خرجت من عزلتي إلى غابة، كان ليّ رِفقة أربعة، في آخر اليوم السادس، ثبّت "حسن" عينيه نحو طائر "الوقواق" الذي كان يمزق بمنقاره الطويل "يسروعًا" مسكينًا، إصطاده ليُشبع حاجته ويملأ معدته
قال "حسن" ، هل تعلم أنني هاشمي؟ ، ضحكت بعصبية متهم، متسائلًا :
وماذا يعني ذلك ؟
- أنت تكرههم ؟
▪︎ أنا ! ، لا من قال لك ذلك ؟ ، ثم أسندت كفي إلى أرض زلقة ونهضت، درت قليلًا مختلسًا نظرات خاطفة إلى "حسن" وهو على ثباته، لا يتحرك، وفي طرف شفته اليسرى ابتسامة وجع، وندت منه حركة طفيفة اهتز لها ذقنه، ثم عاد إلى صمته ، نهض يجر قدميه إلى داخل غرفتنا، وتكوم هناك عند زاوية النافذة المطلة على جزء الغابة الشرقي، ثم غفا.
في صباح اليوم السابع، غادر "حسن" وكأنه لم يكن بيننا، واختفى هاتفي وراءه، سألته عنه برسالة من هاتف رفيقي الآخر، أجاب بعد ساعات "ربما أكله الوقواق" ، فعرفت أني سُرِقت !
ولم أحسن الظن ..
جلست في بقعة الأمس، حين كنت مع "حسن" وطفقت أراجع نفسي - ما الذي سيجده هناك؟ صورة ضخمة لأنفي، ومشاهد تحضيرية لعرض مباشر عن الهوية اليمنية، ورسائل من صديق محاصر في ذمار يقول لي "ييييييه لا تكن ترسل لي أي شيء!، ثم أبان لي في رسالة أخرى كاتبًا "عيال الكلب استدعوني ويحتمل أن يفتشوا هاتفي" .
عيال الكلب - يقصد الحوثيين !
- وصف غير لائق .. هكذا كتبت إليه، مُكررًا "وهل تشبه الجراء اللطيفة بهؤلاء الوحوش!"، لم يجب صديقي ، يبدو أنه حظرني كي ينجو .
▪︎حين خفت من استخدام سيء لرسائل واتساب إلى لائحة جهات إتصالي ، اشتريت هاتفًا جديدًا، وكأن "حسن" شعر بذلك، فحذف جهات الاتصال وألغى المزامنة، فكتبت إلى من تبقى أرجو أن يبعثوا بأسمائهم ويتلطفوا ، لأحفظهم من جديد .
فجاءتني الردود ؛ قال الأول "معك ولي الزمان ومجدد الأمة ومزيل الغمة عبدالملك الحوثي!!" ، وكتب الثاني "أنا الذي لم تحاسبه ثمن العشاء والحساء!!" ، وجاءت رسالة من مسؤول حكومي رفيع يكتب اسمه، فجُعِلت اكتب له شاكرًا تلطفه، فوصلت رسالة أخرى تقول "معك الفنان حمود السمة"، ظهرت أعلى الشاشة قليلًا ثم اختفت، فتبسّمت ولم أدرك أني كتبت للمسؤول "أهلًا بالفنان"
ورد سريعًا "من الفنان؟"
اعتذرت ، فلم يعلق .
تواصلت الردود ، أناس لم أعد اتذكر انهم كانوا في قائمة الرسائل الجماعية ، وآخرين ظننت أنهم نسوا إسمي، فعرفت أنهم يقرأونني بصمت، ولا يعلقون بحرف واحد
أحدهم كتب "أنا من سيقتلك" ، وغيره كتب "وهل نسيتني" ، وواحد وضع صورته على ملفه الشخصي كاتبًا "أتحداك تعرفني" ، وهناك من كتب قائلًا " أنا خالد !" ، وكأنه خالد بن الوليد ! ، أعدت إليه عبارة استفهام لمعرفة الإسم كاملًا ؛ فلم يُجِب . وطفقت أناجم خيالي "قد يكون ابن الوليد حقًا" ، وهززت كتفيّ وحيدًا أراقب شاشة الهاتف ، ربما !
- ولِمَ لا .. أظنه اقتحم منام "محمد علي قاضي" الذي بدوره أبلغ "عبدالله صعتر" أنه رآه بعد فراق دام تسع سنوات، فقال له "أبلغ ابن الغُباري أن يسجل اسمي" ! ، ثم يصهل الحصان ويختفي لتسع قادمات !
أرسل "نبيل" مستفسرًا مكاني، يخشى أن تكون أرقام "المعجبات" قد طارت، فقلت نافيًا حصولي على نصف معجبة، فأجابني متسائلًا هل عرفت ما الذي قاله الماجد؟ وأرفق تسجيلًا صوتيًا لأغنية شجية لراشد الماجد
لربما لو هزك الشوق بتجين
وتعاندين ظروف وقتك يا ترى
لربما بعد الغياب بتسألين
والا زماني ما على بالك طرى
..
مسحة الحزن اللذيذة هناك .. في مساحة الصوت، في عذابات الحروف، في نبرة الشجن، تكفي ليكتب المرء نثرًا دافئًا ، فالحزن وحده من يدفعنا للكتابة
السعداء لا يكتبون
..
إذا جاءت السعادة إلى اليمن، سيختفي الشعراء والمبدعون والفنانون، وربما يغيب الفن الصنعاني وتقفر البيوت من المليحات ، وتنسى صنعاء خطواتها إلى سمسرة النحاس، ويبقى باب اليمن مسارًا للطامعين ، وتُخلع ضلفتيه الخشبيتين إلى الأبد .
..
..
..
شكرًا "حسن" لأنك "لم تزل" متهمًا بهاتفي ، كما هم "سُلالتك" متهمون بسرقة جهات اتصالنا، والسطو على رسائلنا، وأغانينا، والعبث بذاكرتنا الفوتوغرافية .. حين اختفيت، غاب طائر الوقواق أيضًا .
أما أنا فما زلت هناك .. أقطف أوراقًا وأرتشف ماء باردًا طيبًا هنيئًا، وأكتب عن هاتفي، فهلّا أعدته؟
اضف تعليقك على المقال