ارسال بالايميل :
6745
بقلم / نبيل حسن الفقيه
أشغل الحوثي اليمنيين بخرافة الحق الإلهي و بأحقيته المطلقة في الحكم، و وجد الحوثي الأرض مُمهده لفكره نتيجة تكريس الإسلام السياسي لفكرة ” أن الحكم والسلطة شأن ديني وليس شأن مدني”، فسعى الحوثي لإعادة عقارب الزمن لتسخير المجتمع اليمني لخدمة كهنة المذهب الشيعي في إيران، و وجد الإسناد والدعم من بعض القوى الدولية (أمريكا/بريطانيا) التي وجدت ضالتها في الحوثي لخدمة مصالحها في المنطقة.
لجأت المملكة العربية السعودية لإنشاء تحالف عربي عسكري، وأعلنت حربها ضد الحوثي وفقاً لطلب الرئيس عبدربه منصور هادي (صورياً)، ووضعت السعودية أمام الإعلام المحلي والإقليمي والدولي هدف إستعادة الشرعية اليمنية كواجهة للحرب في اليمن، واستطاعت السعودية في بداية الحرب من جذب العديد من الدول العربية لهذا التحالف، إلا أن تماسك هذا التحالف ما لبث أن إنتهى مع مرور الوقت ليقتصر الدور الأساسي والمحوري في هذا التحالف على السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
لم تضع السعودية أي إستراتيجية لتدخلها في اليمن، ودشنت حربها بحملة قصف جوي أحرقت الأخضر واليابس وقضت على كل مظاهر الحياة في اليمن، وطبقت السعودية سياسة الأرض المحروقة في حربها على اليمن، وظهر للعالم مدى تأثير سياسة الأرض المحروقة على اليمنيين وعلى البنية التحتية، مما أثر بشكل سلبي على سمعة التحالف وزاد من مستوى السخط الشعبي على السعودية والشرعية على حداً سواء، وخلق أسوا أزمة إنسانية عرفتها اليمن.
تورطت السعودية والإمارات ومن ورائهم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة في جرائم حرب وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، وبات ملف حقوق الانسان هو الملف الاساسي الذي تضعه دول الغرب أمام السعودية لإبتزازها، وذهبت وعود المملكة والتحالف العربي لتحقيق نصر سريع على الحوثي ادراج الرياح، وأخفقت جهود مبعوث الأمم المتحدة الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية، وانهارت كل مباحثات السلام وجُمدت إتفاقية بيضة الديك (اتفاقية إستكهولم) لتتفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن بشكل مخيف.
دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة الحرب في اليمن ولديها هدف إستراتيجي واضح وهو السيطرة على الخطوط الملاحية على امتداد البحر الأحمر والخليج العربي، حيث تمكنت الإمارات من فرض أجندتها على السعودية وتمكنت من السيطرة على الساحل الغربي لليمن، ومضت في تدمير ميناء عدن لصالح موانئ دبي، واحكمت سيطرتها على باقي الموانئ في حضرموت وشبوه مروراً بجزيرة سقطرى التي فرضت الإمارات وصايتها عليها بالقوة، ومضت الإمارات في التأسيس لوضع يدها العليا في اليمن من خلال إنشاء الأذرع المسلحة في مختلف المناطق اليمنية خارج هيكلية وزارتي الدفاع والداخلية اليمنية، وزرعت التيارات الموالية لها وعززت من دورها تمهيداً لصدارة تلك التيارات للمشهد في أي تسوية سياسية في اليمن.
أدرك الجميع أن الإمارات لم تكن لتجرؤ على القيام بما تقوم به في جنوب اليمن ما لم تأخذ ضواءً أخضر من السعودية يتيح لها تحقق أهدافها التي وافقت عليها السعودية كنوع من المكافأة على إستمرار بقاءها ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وسارت السعودية ضمن مخطط أبوظبي لإشعال حروب جانبية في اليمن ضد من تصورهم الإمارات إخوان اليمن (حزب الإصلاح)، ووجدت السعودية ضالتها فيما حدث في اليمن لتحقيق هدف إستراتيجي لطالما حلمت بتحقيقه، فالحصول على منفذ بحري على البحر العربي والخروج من تهديد إقفال مضيق هرمز هو الهدف الذي سعت السعودية لها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وقد رأت السعودية أن الوقت الحالي هو الأنسب لها لتنفيذ مشروع مد أنبوب النفط عبر المناطق الشرقية اليمنية.
كما أسلفنا فقد خلقت السعودية لنفسها الغطاء المناسب للدخول لليمن من بوابة قيادة التحالف العسكري لدعم الشرعية، وتماهت السعودية مع ما تقوم به الإمارات فدعمت خطواتها للتمدد في المحافظات الجنوبية (عدن وشبوة وأبين وساحل حضرموت)، وشجعت قيام الإضطرابات المصاحبة للتواجد الإماراتي في تلك المناطق، وهدفها من كل ذلك هو خلق حالة من الإضطراب السياسي ومن التجاذبات المفضية لجر اليمنيين إلى ملفات ثانوية، وتولد حالة من عدم الإستقرار في اليمن وتصرف الأنظار عما تقوم به في محافظة المهره، وقد مكنهم من ذلك وجود حكومة يمنية مُسيطر عليها تقبل بالإملاءات السعودية ولا يمكن لها أن ترفع صوتها تجاه ما يحدث.
الآن وبعد أن ذاب الثلج وبان المرج… هل بتنا نُدرك أن اليمن يضمحل وتهتري مؤسساته الدستورية، فالحكومة الشرعية غائبه أو مُغيبة تعمل ضمن حدود مكتب السفير، ولا تتجاوز تعليماته، حكومة مشلولة تبدو أقل من حكومة لتصريف الأعمال، حكومة تنتظر ما يجود عليها الفرقاء السياسيين من توافق لتشكيلها، ورئيس جمهورية أسند ظهرة على جدار الشقيقة الكبرى وراهن عليها، ليجد نفسه في غفلة من الزمن قد خسر الرهان وغدا رهن الإقامة الجبرية، ليس له من الأمر شيء، رغم قدرته على قلب الطاولة بين عشية وضحاها، ومجلس نواب تكلس وفقد هيبته، وأصاب الصدأ والصديد كل مفاصله فتعطلت كل أدواته الدستورية، وباتت بعض قيادته تعمل ليل نهار ضد مصالح اليمن جهاراً نهاراً، ولم يعد يشعر أعضائه بأنهم أصبحوا عالة على المجتمع اليمني و وبال على اليمن، أما القوي السياسية فهي أضعف من أن يطلق عليها قوى، فجلها تعاني من حالة إنعدام الوزن، فقدت قدرتها على التأثير السياسي على الأرض، وتاهت بين التمسك بالقيم والمبادي الوطنية العليا لليمن وبين تحقيق المنافع الشخصية الآنية.
من المؤكد أن إتفاقية تسريع تنفيذ إتفاقية الرياض قد جات بثوابت ستؤسس لبقاء الحوثيين في السلطة على حساب الشعب اليمني، ومهدت الطريق لصراع داخلي غير منظور المدى، وأظهرت الحوثي بمظهر المنتصر وإن كان هذا النصر في الحقيقة نصر مؤقت زائف، وسيتمكن الحوثي من فرض نفسه كلاعب أساسي في المشهد اليمني مستغلاً حالة التشظّي الحاصلة داخل التحالف ومكونات الشرعية، وسيجد اليمنيين أنفسهم في القريب أمام إتفاقية أُممية تشرعن للحوثي ما شرعنته السعودية للإنتقالي، وستجبر كل القوى السياسية اليمنية التي رهنت نفسها للفاعلين الإقليميين على قبول كل الإملاءات التي تصدر لصالح الحوثيين.
بعد كل ذلك… هل حان الوقت لتداعي اليمنيين لإيجاد حل لقضيتهم العادلة، والمضي في توحيد الجبهة الداخلية، وبناء حالة من التوافق الوطني الرسمي والشعبي لمواجهة ما تتعرض له اليمن من تحديات وتهديدات قد تنهي وجود اليمن الجمهوري، خاصة وأن ما يشهده الواقع في اليمن من تغيرات وتحولات على الأرض ينذر بكارثة سيمتد أثرها لردحاً من الزمن، حيث ستصبح اليمن هي المنطقة الخلفية المعتمة التي يتم فيها تصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
أُجزم أن اليمنيين سيتعاملون مع أي إنتكاسة بإعتبارها إنتهاء لجولة من جولات النضال ضد الفكر الديني المتطرف أيً كان مصدره، وسيعمد كل من له ذرة إحساس من الفرقاء السياسيين للبدء بمرحلة التصالح والتسامح وتوحيد الصف الجمهوري لمواجهة أدعياء الحق الإلهي.
مع التأكيد على أن إستمرار النضال الرافض لفرض الوصاية على اليمن من أي جهة كانت هو النضال الجامع لكل اليمنيين في الشمال والجنوب، و أن النضال الطويل الذي سطره الآباء في مقارعة الإمامة والإستعمار سيستمر زخمه في دماء الأبناء وصولاً لتحقيق السلام العادل والمنشود، الذي تُصان معها الحقوق و تُحترم فيها إرادة اليمنيين في الحياة بحرية وعزة وكرامة…
،،والله الموفق،،
12 أغسطس 2020م
اضف تعليقك على المقال