ارسال بالايميل :
9642
محمد قشمر
يتداعى الى خاطري بعض النماذج لدول فتحت أبوابها لمن أصبح فيما بعد محتلاً، ثم بعد ذلك تم مقاومته وقتاله بشراسة، وتمت التضحية بخيرة أبناء تلك الدول في سبيل التخلص من ذلك المستعمر الذي دخل الى تلك الأرض برضاهم ، أو فلنقل برضى البعض من أبناء تلك الدول ، وعلي سبيل المثال ما حدث في أفغانستان وعلاقتها مع دولة الاتحاد السوفيتي سابقاً والتي كانت تعتبر دولة عظمى بكل المقاييس العسكرية وبعض المقاييس الأخرى ، والتي كانت القطب الأقوى الآخر المتصارع مع الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن نقول أيضاً ومع الدول الأوروبية الغربية كنظامين مختلفين اختلافاً جذرياً شيوعية ورأس مالية .
يقول الفريق نورات تير – غريغوريانس رئيس أركان القوات السوفيتية في أفغانستان من تاريخ (1981- 1983) في مقابلة مع قناة روسيا اليوم في برنامج رحلة في الذاكرة والذي تم نشره على اليوتيوب بتاريخ 18 /11/ 2014 م يقول: أن السياسين أوضحوا لهم أن إرسال قوات إلى أفغانستان هو مساعدة أممية، وبالتالي كان المبرر الرسمي لإدخال قواتنا هو المساعدة الأممية للشعب الأفغاني لضمان نشاطه وحياته الطبيعية .
ثم قال (استقبلنا السكان المحليون بالورود ونظموا تجمعات ودية ) ويقول أيضا ً ( أن البلد كان متخلفاً - ) ثم يقول الحكومة منتخبة ) . والحقيقة التي تذهلني كيف تكون هناك حكومة منتخبة في بلد متخلف . كما أكد الفريق في نفس اللقاء التلفزيوني أن دخول الاتحاد السوفيتي لافغانستان كان للدفاع عن النفس وان هناك أسباب جيوسياسية وعسكرية وغيرها كانت هي السبب الحقيقي لدخول افغانستان .
لم يكن ليستطيع الاتحاد السوفيتي أن يضم دولة أفغانستان الى الحضيرة الشيوعية إلا من خلال بناء وإيجاد قوى سياسية أفغانية تلبست باللباس الشيوعي، رغم ان لها طابعها القبلي والعقائدي الذي يصعب التخلي عنه بالنسبة للأفغان ، كانت زراعة وصناعة قوى سياسية شيوعية هي التي يمكنها أن تسمح باحتلال افغاستان، ففي صيف 1978 م استطاعت القوى الشيوعية من السيطرة على العاصمة ، ولكن النظام الشيوعي عموما ً يقوم على الثورات التي استمرت في خلق صراعات داخلية مكنت الاتحاد السوفيتي من بسط يده من خلال القوى الحاكمة ( الصديقة ) للنظام الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفيتي ، وتمت تلك السيطرة على افغانستان من خلال اتفاقيات مشتركة او ما سميت بمعاهدة الصداقة والتعاون الثنائي في ديسمبر 1978 م، والتي تسمح بالتدخل السوفيتي العسكري في حال طلبت افغانستان ذلك التدخل ، هنا يمكن أن تظهر لنا بعض اليات التدخل العسكري في شؤون دولة أخرى وتحت أي مسمى ، ورغم الاختلاف الجذري الفكري والعقائدي والمناطقي والثقافي والاجتماعي بين الاتحاد السوفيتي وبين افغانستان الا ان التدخل تم ، وفوق هذا استمر الصراع بين الطبقات وبين الفصائل السياسية وما رافقها من اعدامات للخصوم ، من خلال تلك القراءة السريعة جداً لذلك التاريخ المتشبع بالصراع نرى أن التدخل الخارجي والقضاء على السيادة الداخلية والخارجية لا يأتي غالباً إلا بوجود أيدي تعبث بالوطن من الداخل ، وبغض النطر ايضاً عن الاسباب والمسببات التي أدت الى ذلك الأمر فإن الخلل الذي قضى على سلامة الأرض ووحدة الفكر والنسيج الاجتماعي يكون بدايةً من قبل اشخاص يفسرون الانتماء بطرقٍ لا تنسجم مع روح الارض ومع أهداف وطموح واحلام ابناء تلك الأرض .
في اليمن أيضاً في فترة الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني والذي كان عبارة عن سلطنات متعددة حاول البريطانيون استثمار ذلك التشتت لصالح بقائه ، كما أنه قام ببناء جيش من ابناء تلك السلطنات لتثبيت دعائم الاحتلال واستثمار عدن بأقصى درجةٍ ممكنة، وكا ن يسمى جيش محمية عدن أو الليوي ،
وكانت لكل منطقة او محمية نسبة معينة من التجنيد وكان تحديد النسبة غالباً ما يرتبط بالكثافة السكانية للمنطقة او المحمية او السلطنة او الإمارة ، وكان هناك إقبال كثير على التجنيد بل أن بعض زعماء السلطنات حسب بعض الروايات قدموا احتجاجات على عدم قبول أعداد أكثر من ابنائها في صفوف الجيش الذي كان تحت سيطرة الاحتلال البريطاني بشكل مطلق ، كانت ترى بريطانيا أنها بهذا تستيطع التوغل بين القبائل والسيطرة عليهم وفي نفس الوقت تخفف من وجود قواتها البرية التي تشكل عبء مالي، كما تشكل المعارك ايضا خطرا على الأفراد من خلال اصطدامها بالشعب ، لكنها طبعاُ لم تتخلى تخلياً تاما عن قواتها المحتلة، غير ان اعتمادها على الطيران هو الذي ساندها في ذلك الأمر ، وما يعنينيا في هذا الموضوع هو أن استغلال الاحتلال لأبناء البلد هو الذي يساعده في السيطرة عليها ، كما أن التفريط بالسيادة الوطنية لصالح المحتل غالباً مايكون مرتبطاً بالجهل ثم بالفقر ، والمعروف أن بريطانيا أستثمرت هاتين النقطتين بشكل كبير للتحكم والسيطرة ، ويمكن القول أن عدم الشعور بالانتماء بسبب الجهل او غيره كان سبباً في طول بقاء المحتل البريطاني، ولا أبرر إطلاقاً هنا التعاون مع المحتل ابداً ، واعتقد ان الشعور بالانتماء في فترة الستينات وظهور الحركات الاستقلالية على مستوى الوطن العربي ساهم في الدفع بالكثير من أبناء اليمن في المناطق الجنوبية خصوصا الى النظال المسلح من أجل الحصول على الاستقلال التام ورحيل آخر جندي بريطاني عن عدن في 1967 للميلاد ، ولكن للأسف كان تحرر جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني يعني دخولها بعد فترة ٍ وجيزة تحت الوصاية السوفيتية من خلال ايضا ما تعرف بالمعاهدات الثنائية بين البلدين والتي تم فيها التفريط بسيادة اليمن الجنوبي لصالح قوى استعمارية جديدة بثياب فكرية هي ايضا لا تتناسب مع فكر وعقيدة أهل اليمن ، رغم أن هناك الكثير من سيقول بأن قادة الحزب الاشتراكي كانت لهم رؤيتهم الخاصة والمستقلة عن نظام الاتحاد السوفيتي التي تؤكد استقلالية اليمن وسيادته، واعتقد أن هذا الكلام ليس دقيقاً لأن القرار في عدن كان قرارا سوفيتياً ، فالنظام القائم على الفكر الشيوعي مبني على هذا الأساس وهذا الارتباط ، كم ان الاحتلال في اغلب الدول العربية قام ببناء جيوش من أبناء تلك المناطق لإحكام السيطرة عليها بمقابل مادي كان يعتبر من وجهة من ينتسبون اليه من المواطنين مجزي مع ما يحظون به من امتيازات أخرى قد يكون أهمها الرعاية الصحية ، والكارثة العظمى عندما يكون الولاء للمحتل لا يساوي حفنة من تراب الوطن الذي نعيش عليه ونحتمي تحته عندما تفارقنا الروح الى السماء .
اضف تعليقك على المقال