بقلم / نبيل حسن الفقيه
إتفاقية الوصية
عرض رئيس الوزراء امام مجلس الوزراء إتفاقية تم توقيعها بين حكومة المملكة العربيةالسعودية وحكومة الجمهورية اليمنية في مجال أعمال البرنامج السعودي لتنميةوإعمار اليمن في 26مايو2019م، الإتفاقية التي تم تصويرها على انها إتفاقية تعاونمشترك بين المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اليمنية في مجال التنميةوالإعمار داخل الجمهورية اليمنية.
لقد عُرضت هذه الإتفاقية بعد التوقيع عليها والشروع في تنفيذها، في سابقة خطيره،حيث يعد هذا الاجراء مخالف للإجراءات الدستورية والقانونية خاصة وان الإتفاقية قدتجاوزت النصوص القانونية، إذ منحت إمتيازات خاصة لا يمكن منحها لبرنامج يهدفمنه إعادة إعمار ما دمرته الحرب في اليمن، كما ان التوقيع على الإتفاقية بهذا الشكل يُعدإنتهاكاً لدستور الجمهورية اليمنية مما جعل الإتفاقية في حكم الباطلة وغير الدستورية.
أسست الإتفاقية لسابقة قانونية لم يسبقنا فيها أحد، حيث ورد فيها ان تطبق أحكامالإتفاقية على جميع المشاريع أو المساعدات التي بدأ البرنامج في تنفيذها قبل دخولالإتفاقية حيز التنفيذ، ولم تضع الإتفاقية أي اعتبار للأُسس القانونية والإدارية المنظمةلكل المشاريع ولكل المساعدات التي قُدمت من قبل، خاصة وان الحكومة اليمنية لم تكنطرف في أي من المشاريع التي نفذها البرنامج السعودي.
قمة الإستخفاف بالحكومة اليمنية والإلتفاف عليها في تنفيذ المشاريع خارج إطار الدولةتم من خلال هذه الإتفاقية التي اجازت للجانب السعودي تقديم المساعدات بشكل مباشرمن خلال بعثة البرنامج المقيمة في اليمن… ومنحت الحق للجانب السعودي في تنفيذ مايرغب فيه، ودون علم الحكومة اليمنية ودون مشاركة منها، ودون إستشارتها، ودونتنسيق مسبق معها، بل إن التنفيذ يمكن ان يتم عبر طرف خارجي يحدده البرنامجالسعودي وفقاً لما يراه مناسباً.
حل البرنامج السعودي محل الحكومة اليمنية في التعيين والتوظيف في الوظيفة العامة،حيث منحت الإتفاقية البرامج السعودي الحق في تعيين الموظفين لأداء الوظائفالتشغيلية والتنفيذية و الإدارية، والزم الحكومة اليمنية باعتمادهم كموظفين في الخدمةالمدنية، او إعتمادهم كموظفين لأي جهة يحددها الجانب السعودي.
ربطت الإتفاقية قبول المساعدات التي يمكن ان يقدمها أي طرف خارجي للتنمية فيالجمهورية اليمنية بموافقة الجانب السعودي الذي إشترط أن لا تمر المساعدات لليمن إلابعد التنسيق والتشاور مع الجانب السعودي، وألزمت الحكومة بان لا تُقْدِمْ على التوقيعمع أي مصدر أخر للتمويل إلا بتنسيق مسبق مع البرنامج السعودي، ليتجلى لنا مقدرالسيطرة على القرار اليمني الذي تسعى السعودية إليه.
لقد تم نسف كل الإجراءات الحكومية القانونية النظامية المنظمة لتنفيذ المشاريعالتنموية، و أُنيط بالبرنامج السعودي تحديد السياسات والمعايير والإجراءات المتعلقةبالمشاريع، واقتصر دور ممثل الحكومة في الاتفاقية (وزارة التخطيط) على تبليغ الجهاتالحكومية اليمنية بتلكم السياسات والمعايير والإجراءات، و التنسيق مع مختلف الجهاتالحكومية لضمان تسهيل وتنسيق إجراءات تنفيذ جميع المشاريع والمساعدات التييحددها البرنامج السعودي داخل الجمهورية اليمنية، وعلى الجميع السمع والطاعة لمايُحدده البرنامج، خاصة وقد مُنح البرنامج السعودي الحق في انشاء الوحدات التنفيذيةللمشاريع دونما تدخل من الحكومة اليمنية في ذلك.
جردت الإتفاقية الحكومة اليمنية من جميع الحقوق السيادية للمشاريع المنفذة في اليمن،حيث منح البرنامج السعودي حقوق براءات الإختراع والملكية الفكرية وحقوق النشر وأيحق ناشئ عن أي إكتشافات لصالح الجانب السعودي، والزمت الإتفاقية الحكومةاليمنية بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة ذات الصلة بالمشروعات التي يتم تنفيذها أوالتي يتم التخطيط لها من قبل الحكومة اليمنية، والهدف من ذلك هو تمكين الجانبالسعودي من وأدْ أي مشروع لا يتوافق وتوجهات المملكة في السيطرة علي اليمن وحتييستمر إذعان اليمن واليمنيين للهيمنة السعودية.
لقد وُضِعَتْ جميع بنود هذه الاتفاقية وليس فيها ما يمكن البناء عليه كإلتزامات ذات أثرقانوني على الجانب السعودي، حيث اقتصر إلتزام الجانب السعودي على إبلاغالحكومة اليمنية بقائمة الجهات التنفيذية والشركات السعودية والموردين السعوديين،وعلى تزويد الحكومة اليمنية بأسماء أعضاء البعثة المقيمة في الجمهورية اليمنية،والتغييرات التي تطرأ على مراكزهم، وغيرها من البديهيات المتعارف عليها، حتى أنالبنود التي وُضِعَتْ كإلتزامات على الجانب السعودي صِيغَت لصالح البرنامج السعوديوليس العكس.
منحت الإتفاقية (في سابقة لم تحدث في العالم) البرنامج السعودي ببرامجه ومشاريعهوأمواله وممتلكاته، وأموال مسؤوليه وموظفيه وممتلكاتهم، بما فيهم الممثل المقيم وجميعأعضاء بعثة البرنامج، والأشخاص المنفذون للخدمات والشركات السعودية التي يستعينبها البرنامج وموظفوها السعوديين، جميع الإمتيازات والحصانات المقررة للمبعوثينالدبلوماسيين، في مخالفه لجميع القوانيين وجميع الأعراف الدبلوماسية الدولية، خاصةوان الصفة الدبلوماسية وفقاً لإتفاقية فيّينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمةعام 1961م، هيإتفاقية دولية حددت الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وبينتالحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، وحدود ومفاهيم الحصانةالدبلوماسية، وهذا ما لا ينطبق على “البرنامج السعودي”، كما ان الإتفاقية منحت حق“الحصانات والإمتيازات اللازمة لكل المستندات والوثائق والأوراق والبرامج والملفاتالإلكترونية والورقية والتطبيقات التقنية … الخ، بالإضافة إلي منح الحصاناتوالإمتيازات اللازمة لجميع الأشخاص غير السعوديين وأموالهم وممتلكاتهم ممن يؤدّونالخدمات نيابة عن البرنامج وهذا يتعارض مع الدستور والقانون.
شرع السفير السعودي في توقيع الإتفاقيات التنفيذية مع جهات سعودية مستنداً علىإتفاقية إعادة الإعمار، حيث تم التوقيع على إتفاقية حفظ التراث اليمني والذي وقعهاالسفير آل جابر مع الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، بهدف المحافظة على الوثائقوالمخطوطات التاريخية لليمن، بالإضافة إلي توقيع إتفاقيات أُخري تمت جميعها بينالبرنامج السعودي وبين جهات كلها جهات رسمية سعودية ودون مشاركة الحكومةاليمنية في التوقيع على تلك الإتفاقيات، وكأن الامر مُناط بتنفيذ مشاريع وبرامج خاصةلمحافظات سعودية.
لقد استدعت امانة المسؤولية منا الإعتراض على هذه الإتفاقية التي جردت الحكومةاليمنية من حقوقها في تحديد أُسس التعامل مع عملية الإعمار، وانتقصت من الحقالسيادي للجمهورية اليمنية، ولم تضع الإتفاقية أي إعتبار للقوانين الناظمة للأعمال فيالجمهورية اليمنية، كما أن الإتفاقية لم تضع أي إعتبار لعملية الإشراف والرقابة المشتركةبين الطرفين، ولم تتطرق الإتفاقية إلى تحديد أُسس تمويل المشاريع، وغابت الموادالحاكمة للشفافية، وأسست الإتفاقية للوصاية المطلقة على اليمن … فهل من مدكر.
وللحديث بقية…
والله الموفق،،،
9 يوليو 2020م
اضف تعليقك على المقال