بقلم / نبيل حسن الفقيه
الموظف والوظيفة العامة
من المتعارف عليه ان كل شخص عهدت إليه وظيفة عامة في احدى مؤسسات الدولة،وصدر له قرار تعيين حكومي، و ثُبِتْ في درجة وظيفية مدرجة في الهرم الوظيفي لدوائرالدولة المركزية او المحلية او في المرافق التابعة لهما، له من الحقوق ما يضمنه له القانوندونما انتقاص لهذه الحقوق بسبب العجز في التمكين الوظيفي الناتج عن الوضاعالسياسية للدولة.
لا يختلف اثنين في أن مسؤولية الحكومة الشرعية يجب ان تتجاوز المساحة الجغرافيةالتي تسيطر عليها وان تغطي مظلة الحكومة كامل أراضي الجمهورية اليمنية بغضالنظر عن وجود تمرد وانقلاب عليها من هنا وهناك(الحوثي/المجلس الانتقالي)، وان مناهم ما يمكن ان ترسخه الحكومة في اذهان المواطنين هو قدرتها على إيصال خدماتهاوبسط نفوذها، وتسليم مرتبات موظفيها بغض النظر ان كان هؤلاء الموظفين قابعين تحتسلطة الحوثي او المجلس الانتقالي، او انهم قابعين تحت مظلة الشرعية، فالحكومة هيحكومة الجمهورية اليمنية التي تعد مسؤولة امام المجتمع على كل موظفي الدولة، وليسذنب الموظف ان الحكومة الشرعية هي من عجزت عن انهاء الانقلاب او هي من عجزت عنبسط سلطتها وتحصيل مواردها، والا ما هو الفرق بين الحكومة الشرعية والمتمردين اذاكان التعامل مع الموظف سينطلق من نفس زاوية تعامل المتمردين مع الموظف المغلوب علىامره.
من هنا كان ان تضمنت توصيات مجلس النواب قيام الحكومة بسرعة صرف مرتباتالموظفين في كافة القطاعات، ولكن للأسف لم نجد أي تجاوب من رئيس الحكومة … فحالةالا مبالاة تجاه هذا الملف كان هو السائد، رغم ان المخرج لتوفير المخصصات كان يمكن انيتم من خلال وضع هذا الملف امام المبعوث الاممي والأمم المتحدة بحيث يتم اعتمادالمقاصة الداخلية و تحويل مرتبات الموظفين المتبقيين من المبالغ التي يتحصل عليهالحوثيين في المناطق غير المحررة، إعتماداً على قاعدة البيانات المعتمدة لدى وزارةالخدمة المدنية والتأمينات لعام 2014م، وبحيث يتم تحويل المستحقات لحساباتالموظفين بشكل مباشر ، علماً بأن وزارة الخدمة المدنية أعدت خدمة (وثق) لاستقاءالمعلومات الأساسية لكل موظفي وحدات الخدمة العامة في عموم اليمن، بما في ذلكتحديد الحسابات البنكية التي يرغب كل موظف استلام مرتباته من خلالها، الا انهللأسف ورغم المحاولات العديدة لأطلاق هذا المشروع الا ان عدم تجاوب رئيس الحكومةكان هو السائد.
و مما لا شك فيه ان التعيينات التي حدثت في مختلف وحدات الخدمة العامة وفيالسفارات والمحافظات المؤسسات والهيئات والصناديق بالمخالفة للدستور والقانون قداثرت سلباً على الأداء العام لمختلف أجهزة الدولة، وقد صدر عن مجلس النواب توصيةذات أهمية بالغة تتمثل في التوجيه للحكومة بإعادة النظر في التعيينات التي تمتخلال الفترة الماضية في المناصب الإدارية والدبلوماسية والعسكرية وتطبيق قانون شغلالوظيفة.
لقد حددت التشريعات المنظمة لشئون الوظيفة العامة أُسُسْ شغل الوظائف العامةوالتعيين فيها، بدء من وظائف الادارة العليا / وكيل وزارة وما في مستواها، وحتى وظيفةمدير إدارة عامة وما في مستواها، وكذا بقية المجموعات الوظيفية التخصصيةوالإشرافية وما دونها، ووضعت النصوص المنظمة لذلك في قانون الخدمة المدنية رقم (19)لسنة 1991م، ولائحته التنفيذية واللائحة التنفيذية لقانون الأجور رقم (99) لعام 2006م،وكذا قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (149) في العام 2007م، بشأن نظام التعيين بالوظيفةالعامة، حيث بينت كل تلكم القوانين واللوائح التفصيل المختلف للجوانب المتصلةبالتعيين من شروط ومتطلبات شغل، وحددت الإجراءات المطلوب إتباعها عند الاختيارلشغلها وسلطة التعيين فيها، والهادفة من كل ذلك ترسيخ مبدئي العدالة والجدارة فيشغل الوظائف، وهو ما افتقدته معظم قرارات التعيين التي صدرت خلال الفترة الماضية،واثر كل ذلك سلباً على كفاءة أداء الأجهزة الحكومية للمهام المناطة بها، وتسبب في تدنيمستوى الرضاء عنها من قبل المواطن وخلق درجة عالية من الاحتقان لدى المستحقين منالموظفين لتجاوز معايير الاستحقاق القانوني.
ولأهمية إيقاف العبث بالوظيفة العامة تم طلب إيقاف اصدار قرارات التعيين في كلالمستويات الإدارية، وكذا التعيين الجديد، و الالتزام بالمرجعيات المنظمة لشغل الوظيفةالعامة وعدم تجاوزها، ومن أهمها عرض الترشيحات مسبقاً على وزارة الخدمة المدنيةاستناداً الى نص الفقرة 4 من المادة 20 من اللائحة التنفيذية لقانون الأجور والمرتبات،والتي نصت على انه يلزم قبل صدور أي قرار للتعيين في وظائف الإدارة العليا او الإدارةالاشرافية صدور فتوى من وزارة الخدمة المدنية تؤكد وجود الوظيفة في الهيكلالتنظيمي والوظيفي المعتمد للوحدة واستيفاء المرشح للشروط القانونية المؤهلة لشغلها.
إلا ان ما يؤسف له هو تجاهل كل ذلك ، فكان ان شرعت وزارة الخدمة في حصر كل قراراتالتعيين في وحدات الخدمة العامة المركزية والمحلية الصادرة للفترة 2014-2019م، وكذامراجعة التعيينات في ضوء شروط شغل الوظائف العامة المنصوص عليها في تشريعاتالخدمة المدنية ومدى توافقها مع بيانات المعينين من واقع المصادر الاساسية لاستيفاءالبيانات الوظيفية للموظف، وللأسف كان اعتراض رئيس الوزراء لهذا الإجراءاتوتوجيهاته بعدم تسليم وزارة الخدمة المدنية لقرارات التعيين، والتي كانت تصدر دونماأي اعتبار للقانون وللوائح الناظمة لعمليات التعيين في وحدات الخدمة العامة.
مُؤَكّدْ ان الجميع يدرك ان الجهاز الإداري للدولة يعاني من التضخم ومن الترهل نتيجةسياسة التوظيف التي سادت مختلف المراحل التي مرت على الوظيفة العامة … وانالجانب السياسي قد لعب دوراً سلبياً في هذا الإطار، وما زاد الطين بله هو استيلاءالحوثيين على مقدرات الدولة وتجريف الوظيفة العامة فكانت النتيجة الكارثية المتمثلةفي التوظيف بالتجاوز للقانون لسد الاحتياج، وحل الكم على حساب الكيف في مختلفمؤسسات الدولة… لذا كانت المطالبة بوقف كل التعيينات الجديدة المخالفة للقانونوالالتزام بشروط شغل الوظيفة العامة، وان يتم الاحلال بدلاً عن المتقاعدين في الحدودالدنيا، شريطة تطبيق احكام ونصوص القانون ووفق الاحتياج الفعلي، ورغم تكرار عرضذلك على رئيس الحكومة الا اننا لم نجد الاذان الصاغية.
وحتى نبين مقدار ما يعانيه جُلْ العاملين في القطاع العام من مصاعب لتنفيذ مهامأعمالهم، فإن التطرق الي بيئة العمل يجب ان تُبين هنا، خاصة وان الأهمية كانت تقتضيعودة الحكومة بكامل وزرائها والعاملين فيها لمزاولة أعمالهم من العاصمة المؤقتة عدن، لمالذلك من اثر في تطبيع الأوضاع في العاصمة عدن… إلا ان ما يؤسف له هو ان هذا الامرلم يوضع ضمن أولويات الحكومة، على الرغم من تطرق معظم الوزراء في اجتماعاتالمجلس لهذا الامر ومطالبتهم توفير البيئة المناسبة ادارياً وامنياً، و توفير المتطلباتاللوجستية وفي مقدمة ذلك تامين السكن المناسب والامن (خارج قصر المعاشيق)، وتوفيروسائل المواصلات الثابتة وإزالة المعوقات السياسية التي يعلمها الجميع والتي حالتدون عودة بعض اعضاء الحكومة لمزاولة أعمالهم من العاصمة المؤقتة عدن، ورغم التذمروالامتعاض الذي كان يظهره بعض الوزراء الا ان كل ذلك لم يحرك مؤسسة رئاسة الوزراءلوضع خطوات تضمن استقرار الحكومة في عدن، بل ان رئاسة الحكومة عمدت الىالانصياع للمجلس الانتقالي ومنعت الوزراء من العودة الى عدن بعد ان خرجوا منها فيأغسطس 2019م، ومنع الجميع من العودة لممارسة مهامهم، ليعود بعد ذلك رئيس الوزراءوبعض اعضاء الحكومة بعد توقيع اتفاق الرياض، و ليخرج منها ثانية بعد استيلاءالمجلس الانتقالي على السلطة وإعلان الإدارة الذاتية في عدن وما جاورها.
ولا تختلف بيئة العمل في سفارتنا بالخارج عن البيئة في الداخل، حيث انصب اهتمامكل العاملين في سفاراتنا دون استثناء في متابعة المستحقات المالية وتعيين الأقارب هناوهناك، والبحث في امر دراسة الأولاد، ودراسة سبل الاستقرار الاسري للعاملين فيالسفارات (ما بعد انتهاء فترة التعيين)… مما استوجب معه مطالبة الأخ رئيس الوزراءبسرعة إيجاد الحلول الناجعة لكل الموظفين في سفارتنا وحث الجميع على حسن تمثيلاليمن وليس التمثيل باليمن من خلال استغلال مواقعهم في السفارات مع ضرورة اجراءتغييرات شاملة للسفراء الذين اثبتوا فشلهم في مختلف الدول، و إلزام وزارة الخارجيةبمراجعة كل القرارات التي صدرت بالتعيين او التوظيف خارج كادر وزارة الخارجية،وإلغاء كل قرارات تعيين أقارب المسؤولين من وزراء ومحافظين وسفراء من الدرجة الاولىوالثانية، مع الغاء كل الملحقيات المستحدثة ما بعد 2014م، وهو مالم يتم حتى الان.
وللحديث بقية..
والله الموفق،،،
6 يوليو 2020م
اضف تعليقك على المقال