بقلم / نبيل حسن الفقيه
الحكومة من بوابة البرلمان
ضربت الجائحة الحوثية المعالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اليمن، وأهلكتالجائحة الحوثية الحرث والنسل، وأكلت الحرب الأخضر واليابس، ودخلت اليمن في نفقمظلم لا يلوح في الأفق له نهاية، وأحال الصراع الذي يشهده اليمن حياة ملايين اليمنيينإلى كابوس مزعج، واتجهت الأنظار نحو الشرعية لإحداث التغيير، ووضع حد لحالةالإنهيار لكل مقومات الدولة.
طال أمد الحرب و امدت آثارها السلبية إلى كل مناطق اليمن، جنوبها وشمالها، شرقهاوغربها، بعد ان دخل تحالف دعم الشرعية اليمن من الباب الواسع، و وضعت اليمن علىمفترق طرق لم تستطع الحكومة الشرعية السير فيه، ففقدت الحكومة الشرعية قدرتهاعلى القيام بواجباتها الدستورية والقانونية، وعانت اليمن من فراغ حكومي، ومن ترهلكبير في كل مفاصل الدولة، وأضحت الحكومة الشرعية حكومة مشلولة ليس لها من الأمرشيئاً، حكومة بيانات وشعارات لا أعمال وانجازات، حكومة ينتظر رئيسها التوجيهاتوالاوامر التي تصله من السفير “آل جابر” ليصدر بيان شجب وادانه، وينصاع للإملاءاتالتي تُساق له، وليس له من الامر شيء، سوى التحرك في مربعات لا تتجاوز مساحتهامساحة حديقة منزل السفير السعودي في اليمن.
عملت مع الحكومة الشرعية ما بين (2018-2020)، وآثرت الإستقالة منها، خاصة بعد أنأدركت أن الحكومة قد عجزت عن القيام بأعمالها وفقاً للمفهوم الواسع لمهام الحكومةوالتي تعني “قيام الحكومة بممارسة السلطة التنفيذية على كامل التراب اليمني، وإدارةوتنظيم شؤون الدولة الإدارية والمالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والحفاظعلى السلم الاجتماعيّ، وبسط نفوذ الدولة وتحقيق الامن والاستقرار وحماية الدولة منأي عدوان خارجي”.
و إستناداً لذلك فان الحكومة تعد المسؤولة عن وضع السياسة العامة للدولة والمجتمعبأكمله، وتصبح الحكومة مسؤولة امام الهيئة التشريعية التي تمنحها الثقة للسير فيتنفيذ برامجها وخططها لتحقيق الأهداف المرجوة منها، وتصبح الحكومة ملزمة امامالبرلمان في تحقيق تطلعات الامة والعمل وفقاً لتوصيات البرلمان… فهل هذا الذي تم ويتممع الحكومة اليمنية!؟!
سوف أتناول من خلال سلسة مقالات (الأداء العام للحكومة … التاريخ لا يرحم) بعضاً منالقضايا التي وضعت أمام رئيس الحكومة وكانت سبباً في التباين في وجهات النظر، وفي الكيفية التي يجب ان تُنتهج لتسيير أعمالنا بمجلس الوزراء.
مع التأكيد هنا أن كل ما سيتم تناوله في هذه المقالات هي حقائق موثقة ولا يمكنإنكارها، وكما سبق ان اشرت في مقال سابق من ان التكنلوجيا و وسائل التواصل لم تتركلاحد مساحة للإنكار او للتواري خلف لوحة “لم يصلني ذلك”.
و للخوض في ثنايا الحقيقة سوف أبداء من البوابة التي يجب أن تنطلق منها أيحكومة، وفقاً للإجراءات الدستورية والقانونية … فنبدأ من بوابة البرلمان التي يجب انتنطلق منها الحكومة لتنفيذ مهامها بعد نيلها للثقة، وهو مالم يتم، اذ تجاوز البرلمان عدمتقديم الحكومة لبرنامجها تقديراً للظروف السياسية التي تمر بها الدولة، وعلى أساسأن تلتزم الحكومة بجملة التوصيات الصادرة عن مجلس النواب، و تشرع في تنفيذموازنة الدولة، و بالتالي فقد منحت الحكومة صك العبور من خلال إقرار الموازنة العامةللدولة للعام المالي 2019م، و كخطوة تُحسب للحكومة وللبرلمان خاصة إذا علمنا انه ومنذ2014م لم يتم إقرار أي موازنة للدولة فكانت هذه الخطوة مؤشر إيجابي لجدية الحكومةالشرعية في إرساء أُسُسْ الدولة وفقاً للنظام والقانون المستمد من الدستور.
استبشر الجميع الخير بعد أن أقر البرلمان مشروع الموازنة، و وضع البرلمان أمام الحكومةجملة من التوصيات الواجب القيام بها لضمان تصحيح الإختلالات ومعالجة الثغراتوالمضي لإستعادة الدولة لمكانتها التي فقدتها منذ خروجها من العاصمة صنعاء، بعدإنقلاب الحوثيين على السلطة، وألزم البرلمان الحكومة بتنفيذ تلك التوصيات فكيف كانالوضع بعد الخروج من قبة البرلمان.
لم أجد في توصيات البرلمان ما يمكن ان يطلق عليه (التوصيات التعجيزية)، إذ انصبتكل توصيات البرلمان في إتجاه الدفع بالحكومة للعمل كحكومة دولة تسعى لتثبيتنفسها كحكومة شرعية امام المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي، وفق الضوابطالدستورية والقانونية التي تحكم أداء الوزارات والهيئات والمؤسسات للمهام المناطة بها،والعمل على التخفيف من حالة الإحتقان والحنق المجتمعي تجاه الحكومة التي عجزتعن ممارسة دورها كسلطة حاكمه.
فهل نجحت الحكومة في ذلك؟!؟
وللجواب على هذا السؤال … أجد أنني مُلزم بوضع الجميع أمام جملة من القضايا التيأوصى البرلمان بتنفيذها وأخفقت الحكومة فيها.
لقد وُضِعَتْ أمام رئيس الوزراء ورقة عمل تتضمن جملة من الخطوات التي يُمكن أن نسيرعليها في الحكومة لتنفيذ التوصيات على أمل ان يُناقش المجلس تلك الخطوات، إلا أنذلك لم يحدث وكان الإتجاه نحو الغموض في تنفيذ الموازنة العامة للدولة والسير نحوالمجهول بالدولة اليمنية.
فاذا كانت أول خطوات الحد من الفساد المستشري في ثنايا الحكومة الشرعية ينطلق منزاوية تنفيذ الموازنة العامة للدولة 2019م، و المُقرة من البرلمان، وفق الأُسُسْ القانونية،وبما يضمن توظيف الأموال (رغم شحتها) التوظيف المثالي، ووضع الآليات التنفيذيةبشفافية عالية، وإن أول خطوات التنفيذ تنطلق من خلال تشكيل اللجنة العلياللمناقصات لضمان تنفيذ المشتريات وإجراء المناقصات وفقاً للأسس القانونية المنظمةلذلك، حيث أخفق الأخ رئيس الوزراء في تنفيذ ذلك، وكانت السمة السائدة عند إثارة هذاالأمر، هو التأجيل الغير مبرر كما هي العادة في كل المواضيع التي يتم وضعها امامرئيس الوزراء.
نظراً لإنهيار الريال اليمني وما صاحب ذلك من تضخم فان الأهمية كانت تقتضي تعديلاللائحة التنفيذية للقانون رقم (23) لسنة 2007م، و قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (53)لسنة 2009م، بشأن اللائحة التنفيذية للقانون رقم (23) لسنة 2007م، بشأن المناقصاتوالمزايدات والمخازن الحكومية، والذي يتضمن بنود الصلاحيات والسقوف المالية، وذلكبعد إقرار البرلمان للموازنة، حيث يجب ان تتوافق الصلاحيات والسقوف المالية مع نسبةالتضخم التي حدثت للعملة، والتي جَرّتْ نفسها على ارتفاع مختلف الأسعار للسلعوالخدمات، وبما يمكن السلطات المركزية والسلطات المحلية من أداء دورها في تنفيذالمشاريع بعيداً عن البيروقراطية؛ إلا ان ذلك لم يتم، ولم يَعر رئيس الوزراء أي إهتمام لهذاالامر، و أوجد هذا التجاهل مساحة للفساد والإفساد، أو مساحة لتجاهل تنفيذ المشاريع،مما فاقم من حالة الإمتعاض من أداء الحكومة لدي جُل مكونات المجتمع.
وضع البرلمان أمام الحكومة مهمة تفعيل الأجهزة الرقابية المختلفة (هيئة مكافحة الفساد / الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة/ الهيئة العليا للرقابة على المناقصات/….. الخ)، وفيهذا الصدد كان من الأهمية إعادة تشكيل هيئة مكافحة الفساد، على ان يسبق ذلك وضعالآلية المناسبة لإعادة تفعيل مجلس الشورى ليقوم بدوره في ذلك وفق الأسس القانونية،بالإضافة إلى تشكيل الهيئة العليا للرقابة على المناقصات وفقاً للقانون، مع تفعيلالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فأين كانت الحكومة من كل ذلك، سؤال للأسف لا يمكنلرئيس الحكومة الإجابة عليه.
وللحديث بقية..
والله الموفق،،،
3 يوليو 2020م
اضف تعليقك على المقال