بقلم / نبيل حسن الفقيه
كنت في مقال سابق قد تناولت قضية امر إعادة الهيبة للدولة اليمنية، وتطرقت الى الأسباب التي أدت الى استغلال البعض لضعف الدولة وتجاوزهم للقانون الذي أضر بهيبة الدولة.
فاذا كنا في المقال السابق قد بكينا على اللبن المسكوب، وتحسرنا على انكسار هيبة الدولة نتيجة بعض الممارسات السلبية والتي كان يمكن تجاوزها … اذا ما وجدت الإرادة والإدارة الواعية، فكيف هو الوضع اليوم بعد ان سيطر الحوثي على صنعاء وبعض المحافظات اليمنية؟؟
لقد عمد الحوثي بعد سيطرة جماعته على صنعاء وبعض المحافظات على اسقاط البقية الباقية من هيبة الدولة، وفرض سلطة الأمر الواقع متجاوزاً كل القوانين والأنظمة، فعمد الى استحداث ما اصطلح على تسميته بالمشرفين، فوضع لكل وزارة مشرف ولكل محافظة مشرف، ولكل مؤسسة او هيئة او مصلحة مشرف يدين بالولاء المباشر لعبد الملك الحوثي، ولتغدوا كل الصلاحيات وبشكل مطلق وواسع بيد جماعته.
وهنا نستطيع ان نقول ان الحوثي عبد الملك قد دق اخر مسمار في نعش هيبة الدولة، فمشرفي الحوثي يمتلكون من الصلاحيات الواسعة ما يمكنهم من إيقاف أي تصرفات إدارية نظامية لا تتفق وصالحهم او لا تتوافق وتوجهاتهم، حيث يتحول الوزير او محافظ المحافظة الى ميسر و محلل يقوم بتغطية أوامر المشرف الذي بيده الحل والعقد فهو القانون والقانون هو، فجميع قرارات وأوامر المشرف الحوثي هي القانون الذي تنحني لها رقاب المسؤولين الذين أناخوا رقابهم للحوثي بمختلف مستوياتهم الوظيفية بما فيهم القادة العسكريين من ذوي الرتب الكبيرة والصغيرة وشيوخ القبائل، فالكل ذليل مهان امام المشرف الحوثي.
لقد حل مشرفو الحوثي محل السلطات المحلية في المحافظات الخاضعة لهم، ومارسوا صلاحيات جميع الأجهزة التنفيذية والرقابية والقضائية، ومنحوا أنفسهم من الصلاحيات المطلقة ما مكنهم من استباحة كل مؤسسات الدولة، فالمشرف هو الشيخ في الموضع الذي يتطلب حضور الشيخ، وهو القائد في موضع الاشراف على القادة العسكريين من خريجي الكليات العسكرية، وهو القانون الذي يُشرع اليات إدارة السلطة، وهو اللوائح والأنظمة في المرفق الذي يشرف عليه، هو الأول فليس قبله أحد، وهو الأخر فلا يعارضه او يناقض كلامه أحد.
وتحت غطاء ما يسمى باللجنة الثورية عمد مشرفو الحوثي الى اقتحام المباني والمكاتب والهيئات والمؤسسات والمصالح والشركات العامة والخاصة، والجامعات والمدارس والمستشفيات وتمكين المواليين لهم من السيطرة عليها وتوظيف كوادرهم فيها بالقوة، بهدف الاستفراد المطلق بالإدارة الحكومية تمهيداً لإعادة رسم الخارطة السياسية والاجتماعية لتتوافق واهداف ومصالح جماعة الحوثي، ولتنتهي مع تلك الممارسات هيبة القانون وتنتهي هيبة الدولة.
موكد ان دوام الحال من المحال، وان الازمة اليمنية ستنتهي ان عاجلاً او اجلاً، وان مع انتهاء الصراع السياسي الذي تقوده السعودية لمواجهة ايران في اليمن سينتهي الحوثي وسيزول الغث الذي سببه والعبث الذي انتهجه في إدارة مرافق الدولة والتي سببت في إضاعة البقية الباقية من هيبة الدولة.
وهنا لابد من القيام بالخطوات الجادة لتطبيق القانون بصورة صارمة على الجميع، وفرض احترام الدولة على المواطنين، ووضع امر إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة كعنوان أساسي للاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي، وتنفيذ جملة من السياسات والتوجهات، المعلنة، وغير المعلنة، وتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، وإنهاء حالات التمرد، وإعادة هيكلة العلاقة بين مختلف الأجهزة الأمنية لتقوم بواجباتها في حماية المواطنين، وإعادة بناء الثقة فيما بين المؤسسة الأمنية والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، والشروع في مراجعة القوانين التي انتقصت من الحقوق، والتأكيد على أنّ هيبة الدولة تنطلق من زاوية مساواة وسيادة القانون على الجميع، بلا أي استثناءات ولا أي التفاف.
مع اهمية دعم الأجهزة الأمنية ووضع القوانين الحامية لرجال الشرطة، وبما يكفل للجميع الامن والاستقرار، وبما يساعد كذلك على إعادة رسم الصورة الذهنية لليمن كبلد امن ومستقر، مدركين ان قضية إعادة هيبة الدولة هي قضية انتماء لوطن، وان بناء الحصانة الاجتماعية للدولة اليمنية هو الضامن الأساسي لتجفيف منابع الهويات المناطقية، وانهاء التطرف المذهبي والقضاء على الإرهاب، اذ تمثل الهويات المناطقية والتطرف المذهبية المرتع الأول للإرهاب، والتهديد الأكبر للأمن الوطني.
على ان اول خطوات إعادة الهيبة للدولة تتطلب من الجميع الايمان بأهمية المضي في درب التغيير والإصلاح والبناء والتنمية، وتحقيق الرخاء والتقدم والازدهار للمجتمع، وأن تعزز مقومات بناء الدولة اليمنية بمفهومها الجديد (الدولة الاتحادية) يجب ان يؤطر بالأطر المؤسسية التي يحكمها القانون، وان نمضي في اليمن لرسم ملامح المستقبل بعيداً عن المناطقية والفئوية والمذهبية، وان يعمل الجميع على تقديم أنموذج لنظام الحكم الذي يحقق المواطنة المتساوية لكل أبناء اليمن، بلا فوارق ولا امتيازات ولا تهميش ولا إقصاء، وان يتضامن الجميع لكسر الاحتكار المناطقي للسلطة، مع وضع الضوابط القانونية التي تضمن المشاركة الفاعلة في صنع القرار لكل أبناء اليمن وفق أسس ومعايير واضحة ودائمة وغير قابلة للالتفاف عليها، والمضي في وضع أسس للتوزيع العادل للثروة بين كل أبناء اليمن.
والله من وراء القصد،،،
اضف تعليقك على المقال