الكاتب : عبد السلام الدباء*
مع بداية كل عام دراسي جديد، تتجدد آلام المواطن اليمني وتتضاعف معاناته في مواجهة موجة جديدة من الأعباء الثقيلة التي ترهق كاهله، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانقطاع مستمر للرواتب، وغياب شبه تام للدولة عن أداء دورها في رعاية قطاع التعليم، الذي يُعد من أهم ركائز بناء الأوطان ومستقبل الأجيال.
يُقبل الآباء والأمهات على عام دراسي مثقل بالمصاريف، تبدأ من الرسوم المدرسية الباهظة، حتى في المدارس الحكومية التي يفترض أن تكون مجانية كما ينص الدستور اليمني، ولا تنتهي عند شراء الدفاتر والكتب والزي المدرسي والحقائب وغيرها من المستلزمات، التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، مما جعل مجرد تجهيز طفل واحد للمدرسة أمراً شاقاً، فكيف بمن لديه أكثر من طفل؟
المدارس الخاصة والأهلية رفعت رسومها بشكل غير مبرر، مستغلة تردي أوضاع التعليم الحكومي، وغياب الرقابة والمحاسبة، في ظل دولة تغض الطرف عن التجاوزات.. أما المدارس الحكومية، فقد تدنى مستواها التعليمي بشكل ملحوظ، وتوقفت الكثير منها عن العمل إما بسبب تهالك البنية التحتية، أو بسبب غياب الكادر التعليمي نتيجة انقطاع المرتبات، مما دفع بالعديد من الأسر إلى الهروب نحو المدارس الخاصة رغم ارتفاع كلفتها.
في هذا الواقع المأساوي، تحوّل التعليم من حق تكفله القوانين والدساتير، إلى سلعة تُباع وتُشترى، وأصبح مستقبل الطلاب مرهوناً بمدى قدرة ذويهم على الدفع، لا بقدراتهم ومواهبهم.. حتى نتائج الشهادات العامة لم تسلم من الشكوك، حيث بات يُتداول حديث واسع عن عمليات تلاعب وبيع وشراء للنتائج والدرجات، وصلت إلى حد الابتزاز كما يذكر البعض، في صورة مخزية لانهيار المنظومة التعليمية في بلد كان يفخر يوماً بتاريخه التعليمي الطويل.
ومع كل هذا، لا نجد أي بوادر حقيقية من الجهات الحكومية لمعالجة هذه الكوارث التربوية.. فلا خطط إصلاح، ولا دعم حقيقي للمدارس، ولا ضمانات لحماية التعليم من جشع المتاجرين به.. بل نجد أن الصمت الرسمي والتجاهل المتعمد أصبحا جزءاً من المشكلة، لا من الحل.
إن ما يحدث اليوم في قطاع التعليم في اليمن ليس مجرد أزمة عابرة، بل كارثة وطنية تهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتؤسس لواقع خطير من الجهل والتجهيل، حيث تصبح المعرفة حكراً على الميسورين فقط، بينما يُترك الفقراء لمصير مجهول.
فإلى متى يستمر هذا التدهور المخيف؟ وإلى متى يبقى التعليم رهينة الأزمات والإهمال والفساد؟
أليس من الأولى أن تبدأ أي رؤية حقيقية لإنقاذ اليمن من بوابة التعليم؟
ألا يستحق هذا القطاع المصيري إصلاحاً جذرياً يحفظ كرامة المعلم، ويوفر حق التعليم المجاني والعادل لكل طفل يمني؟
إن مستقبل اليمن مرهون بإرادة صادقة تعيد للتعليم مكانته، وتحميه من التلاعب والتجارة، وتضع حداً لمعاناة الأسر التي تتجرع كل عام مرارة العجز أمام مطلب طبيعي وبديهي، اسمه الحق في التعليم.
___
*مستشار وزارة الشباب والرياضة
.
اضف تعليقك على المقال