ارسال بالايميل :
5433
بقلم / سام الغُباري*
نشرت وكالة مهر للأنباء وهي الذراع الإعلامي الأول للحرس الثوري الإيراني تغريدة، هذا نصها «لنصومن غدًا في مارب، ولنفطرن بتمرها»!، وتذكرت أن مارب لا تنتج التمر، وأني قد سمعت هذا التحدي ورأيته من قبل على لسان الصحفي القتيل «عبدالكريم الخيواني» في باحة القصر الجمهوري بالعاصمة المحتلة صنعاء، لحظة إعلان بيان التمرد الحوثي.
كان «الخيواني» يهز سبابته بارتعاش لافت، مكررًا عبارة «مارب. مارب»، وكأنه يُذَكِّر عشيرته بها، بعد نشوة إسقاط صنعاء واستقالة الحكومة والرئيس.
الخيواني الذي سطا على لقبه هذا بالانتساب إلى ريف خيوان في مديرية حوث بمحافظة عمران وتكونت بموجب اللقب هوية عائلية، يفترض أن يكون ولاؤها خالصًا لليمن، لم ينس أصوله العرقية الإيرانية، وككل أسلافه استحضر «الخيواني» الرمزية التاريخية السبئية لمحافظة مارب، وشرع بعد استقواء جماعته إلى الانتقام منها، لما مثلته على تعاقب العصور من كتلة بشرية أصيلة وعنيدة في مواجهة التغول الفارسي المتعاقب على اليمن، سواء بالغارة الخارجية، أو الغزو من الداخل باستخدام أمثاله وعائلاتهم التي أبت وتأبى أن تكون يمانية خالصة.
عندما تتعمق جيدًا في تركيبة الصراع اليمني - الفارسي، ترى قبيلة مذحج رأس حربة الكفاح الوطني، ولأن فارس تحكمت طيلة 4 قرون في إنتاج عائلات وأفراد يدعون زورًا أن لهم صلة نسب بالصحابي الجليل «علي بن أبي طالب» رضي الله عنه، مستحضرين كل أسباب الصراع السابق لتكوين أخطر عنصرية عرقية في المجتمع الإسلامي، وبسببها دارت حروب وصراعات مؤلمة منذ اليوم الثاني لوفاة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وربما قبل موته، ولدت هذه الحركة، وعبر التاريخ اشتعلت البلاد الإسلامية حروبا وصراعات على خلفية نظرية «الحق الإلهي» المخيفة؛ فالدولة الإسلامية الأولى سقطت بفعل هذه الفكرة، وسقطت الدولة الأموية على أعتاب هذه الفكرة، ثم دخلت اليمن بعد العباسيين، وهم واحدة من السلالات التي ارتبطت بالفكرة، ورأت أن العم أقرب من ابن العم، وأقحمت الأمة في سلسلة من الفوضى والثورات التي لم تتوقف بفعل الفكرة التي لا تكاد تموت حتى تبعث من جديد.
في التاريخ الإسلامي أكثر من عشرة آلاف تمرد مسلح قام على هذه الخلفية، وهذه النظرية، وبسببها قُتل مئات الألوف من المسلمين، في صراعات البحث عن السلالة النظيفة، وتغيرت أحكام الفقه والدين وفقا لتأثيرات هذه الفكرة.
حالة الترابط السلالي الغريب الذي نراه واضحًا، وحالة الحنان التي يُظهِرونها لبعضهم من إيران إلى لبنان والعراق واليمن!، وحالة الجنون التي كشفوها في وجه خصومهم، منحت المجتمع اليمني حقًا كاملًا في الانتقام، ورد الرعب إذا تمكن من الانتصار.. هذه الصورة المخيفة تلوح في الأفق، ولا يمكن نكرانها، فهي حقيقة واقعية مُفزِعة لي شخصيًا.
- مثلًا.. الخوف من النازية جعل خمسة وعشرين ألف طن من مادة TNT تنفجر في مدينة واحدة اسمها «ايسن» الألمانية، ظلت تشتعل قرابة ثلاثين يوما، ولم يتذكر أحد حتى اللحظة كل هذا الدمار، بعدما فعله هتلر في أوروبا والعالم. وأمام عرقية هتلر وجنونه دفعت كل ألمانيا الثمن.
من «طهران» تُدير آيات الشيطان حروبها السوداء على اليمانيين مستفيدين من تنامي تعداد العائلات الفارسية المدربة على القتل والترويع، ومن هناك تُدار الجريمة وتنثر الكراهية، مثل كل حرب دارت في الماضي واستحضرت مدافعها اليوم، وكما أن السياسة مسرح، كما يقولون، فإن لهذا المسرح خلفيته التي لا يمكن تجاهلها وهو التاريخ، وسياسته اللحظة التي تدار اليوم، وأدواته القدرات البشرية على إدارة الصراع.
مارب لن تسقط، يقين هذه العبارة التاريخ، والجغرافيا، والناس الذين فيها، اخطأت «إيران» باستعداء ملوك سبأ، وقد ترتد الحِراب التي أرسلت إلى عرش بلقيس على باعثها، فتنغرس في عنقه وقلبه، وتقطع أوهامه، كما قطع «قيس بن مكشوح المرادي» رأس «رستم».
وصومًا مقبولًا
*نقلًا عن صحيفة الجزيرة السعودية
اضف تعليقك على المقال