الكاتب: أشرف محمدين
في زحام الدنيا، حيث تتنازعنا الهموم، وتتشابك الأقدار، ونلهث خلف ما نظنه سعادة، ننسى الحقيقة البسيطة التي تختصر المعنى كله: الرب واحد، والعمر واحد وقصير.
عبارة تبدو عابرة، لكنها تختزن في عمقها دعوة للسكينة، وتذكيرًا بأننا لا نملك شيئًا سوى لحظتنا، وأن كل ما عداها سراب عابر في صحراء الأيام.
فما دُمنا نوقن أن الله واحد، نرتاح من عناء المقارنات، ومن لهاث التنافس، ومن الغيرة التي تفسد القلب. ندرك أن الأرزاق لا تُسرق، وأن ما كُتب لنا لن يخطئنا، وما أخطأنا لم يكن لنا. عندها فقط يتراجع الخوف، ويهدأ الطمع، ونُقبل على الحياة بوجهٍ مطمئن، لأننا نعرف أن وراء كل ما يحدث حكمةً، حتى وإن لم نفهمها في حينها.
أما حين نتذكر أن العمر واحد وقصير، يذوب الغضب، وتصبح الخلافات تافهة، ونرى أن الوقت الذي نضيّعه في الحقد واللوم والخصام، هو الوقت ذاته الذي كنا نستطيع أن نحيا فيه لحظة سلام. العمر أقصر من أن نحمله أعباء الكراهية، وأجمل من أن نلوثه بذكريات موجعة صنعناها بأيدينا.
عش ببساط - فالبساطة لا تعني الفقر، بل الغنى الحقيقي؛ أن تملك القليل وتكتفي به، أن تجد الجمال في التفاصيل الصغيرة، أن تفرح بكوب قهوة دافئ، وبضحكة عابرة، وبصحبة صادقة. فالبساطة هي حيلة الحكماء في مواجهة قسوة الحياة.
وأرضي - فالرضا لا يعني الاستسلام، بل هو أعلى مراتب القوة، حين تقول “الحمد لله” وأنت تدرك أن الخير في ما اختاره الله، لا في ما تمنّيته أنت. الرضا يزرع طمأنينة لا تهزها العواصف، ويمنح الروح اتزانًا يجعلها تتجاوز كل خيبة بابتسامة المؤمن الذي لا ينهزم.
وتسامح… لأن الغفران ليس ضعفًا، بل تحرر. كلما سامحت، خفّ الحمل عن صدرك، وازداد وجهك صفاءً. لا تُثقل روحك بالثأر، فالعمر لا يحتمل حمل كل هذه الأوزان النفسية. سامح حتى من لا يعتذر، ليس لأنهم يستحقون، بل لأنك تستحق السلام.
وأحب - فالحب ليس رفاهية، بل حاجة الروح إلى الأكسجين. أحب الله أكثر، أحب نفسك بما فيها من نقص، أحب الناس دون انتظار مقابل، أحب الحياة رغم قسوتها، فهي ما زالت جميلة لمن يملك عين الامتنان.
وابتسم - لأن الابتسامة مقاومة ناعمة لكل ما يحاول كسرنا. ابتسم رغم التعب، رغم الخيبات، رغم الغياب، فكلما ابتسمت، قاومت قسوة الواقع بنعومة القلب، وأخبرت العالم أنك ما زلت تؤمن بالضوء رغم العتمة.
اما العدو الاول للابتسامة هو الخوف من كلام الناس - فاختيارك ان تضع الناس في مقدمة اهتمامك ينسيك نفسك و يجعلك في حالة ترقب لذاتك دائما و مهموما باستمرار - فالخوف من كلام الناس لن يمنعهم من الكلام و لكن سيمنعك انت من الاستمتاع بالحياة و قد تحول حياتك و حياة من حولك الي جحيم دون ان تدري
وكفى…
كفى بحثًا عن الكمال، كفى انتظارًا لما لن يعود، كفى خوفًا مما لم يأتِ بعد. كفي حسابات للبشر - عش يومك كأنه آخر يوم، وتحدث مع الله كأنه أقرب إليك من نبضك، وامنح من حولك دفئك، قبل أن يغادروك أو تغادرهم
في نهاية المطاف، كل ما نحتاجه ليس أكثر مما بين أيدينا الآن. الحياة لا تنتظر منّا الكمال، بل تريدنا أن نحياها بصدق. أن نُخطئ ونتعلّم، أن نُحب ونتسامح، أن نسقط وننهض، أن نحزن ونبتسم من جديد. فالعمر — مهما طال — لا يتسع لكل هذا القلق، ولا يحتمل أن نضيّعه في ملاحقة ما لم يُكتب لنا.
تعلّم أن تُسلم أمرك لله، وأن تطمئن أن ما فات لم يكن نصيبك، وما سيأتي لن يتأخر عن موعده. لا تجعل الماضي يقيدك، ولا المستقبل يخيفك، عش الحاضر كما هو، فهنا تكمن الحياة.
وفي كل مرة تضيق فيها الدنيا، تذكّر أن الرب واحد، وأنه يرى ويسمع ويعلم، وأنه — وحده — القادر أن يبدّل حالك في لحظة، من حزنٍ إلى فرح، ومن ضياعٍ إلى سكينة، ومن انتظارٍ إلى عطاء.
ابتسم - وارضَ وقل الحمد لله دائمًا.
فما دام في صدرك نبض، وفيك نفس، فالحياة ما زالت تمنحك فرصة جديدة كل صباح لتبدأ من جديد.
لا تلهث خلف من غادرك، ولا تبكِ على ما ضاع منك، فربّ الخير لم يزل موجودًا، والسماء لم تغلق أبوابها بعد. عش ببساطة، وارضَ، وسامح، واحب، وابتسم
فالعمر واحد وقصير، والرب واحد وكفى.







اضف تعليقك على المقال