كتابات

أمتنا بين التبشير المحمود والتخدير المذموم!!

نجيب المظفر

التبشير بالخير خصوصا في أحلك الظروف سنة نبوية تأكدت في غزوة الأحزاب وقوى الكفر كلها تحاصر المدينة النبوية حتى اجتمع على سكانها الخوف الشديد، والجوع الشديد، والبرد الشديد، وهو ما جعل أنظار سكانها لاتجاوز حدود مدينتهم المحاصرة، وتطلعاتهم تنحصر في كيفية الخلاص من الحصار.

وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في تلك الأثناء بين سكان المدينة مبشرا لهم ومنقلا لأبصارهم وتطلعاتهم الى ما وراء تلك الأسوار المحاصرة حيث بشرهم بفتح صنعاء وبلاد الشام، وفارس.

هنا يمكننا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم أصحابه، ويعلمنا معهم أن الأمة التي يُحسن قادتها ونخبها توجيه آمال وتطلعات شعوبهم نحو الأهداف الاستراتيجية بطريقة التبشير بقرب تحققها خصوصا في أحلك الظروف، وأصعب المواقف أمة موعودة بالنصر، والتمكين، والبقاء، لأن حضور قضيتها، وأهدافها السامية بقوة في مختلف الظروف، والأحوال في وجدان كل فرد من أبنائها كفيل بعد الله بجعلها تنهض بسرعة من أي كبوة تكبوها، وإن تكررت تلك الكبوات التي بلا شك ستعتبرها منعطفات تستخلص منها الدروس والعبر الكفيلة بمضاعفة قوتها، وزيادة صلابتها، وإثراء تجاربها،

واسألوا إن شئتم اليابانيين عن سر نهوضهم السريع من تحت ركام الدمار الذي خلفته القنبلتين الذريتين الأمريكيتين في الحرب العالمية الثانية، فحتما ستجدون الجواب يتلخص في “أن الحرب التي خسروها عسكريا لم يتمكن أربابها من جعلهم يدفنون على إثرها أهدافهم، وتطلعاتهم، وهو ما جعل هممهم تنبعث، وإرادتهم تصمم، وعزيمتهم تمضي مستنفرة لعقولهم، ومستنهضة لقدراتهم، وطاقاتهم ليحققوا على إثر تصميمهم على النهوض من بين الأنقاض وتحت الركام أعظم إعجاز عرفته البشرية في القرن العشرين”

وهنا فقط يكمن الفرق بين التبشير، والخدير اللذين فقد الكثير منا اليوم التمييز بينهما فصاروا يعتبرون المبشر مخدرا لأنه رفض أن يعيش معهم عقد الهزائم النفسية المُسقطة للذات، والمقعدة للهمم، والمحطمة للإرادات، والعزائم، والمعطلة للعقول، والقاتلة للقدرات، والمهدرة للطاقات، والمقعدة عن اللحاق بركب العظماء، والأبطال في مختلف ميادين النزال.

إن ما يتوجب على كافة النخب المجتمعية يكمن في ظرورة أن تعي أننا اليوم أحوج ما نكون لإحياء سنة التبشير خصوصا عند الخطوب المدلهمة وذلك بمحاولة بحثها عن بصيص النور الكامن داخل تلك الخطوب لتوجيه أنظار الناس إليه لئلا يفقدوا الأمل ويقعوا في اليأس الذي يعد أخ الكفر، وحتى تبقى الأمة بشعوبها قوية متماسكة عصية على أعدائها وعلى مخططاتهم القذرة الهادفة لاختراقهم، فسر تمكين وبقاء الأمم يكمن في صلابة قوتها المعنوية التي عمدت القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى لإطفاء جذوة تلك الروح في نفوس الشعوب المسلمة على إثر انهزام الامبراطورية العثمانية التي كانت تمثلهم في تلك الحرب، كل ذلك حتى لاتفكر شعوبنا باستعادة امجادها من جديد.

فكونوا ايجابيين ولا تنساقوا وراء الخانعين الغوغائين وتذكروا أن ايجابيتكم هي ترجمة عملية لحسن ظنكم بربكم القائل:”فما ظنكم برب العالمين”.

سيبزغ فجرنا ونرى ضحانا
ونرفع فوق هام الكون هاما.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى