افكار واراء

المذاهب والدستور !

بسم الله الرحمن الرحيم

ندرك ان التعددية المذهبية في إطار الدين الاسلامي تعني الاعتراف بوجود تنوع في الانتماء المذهبي في اطار المجتمع الواحد وفي اطار الدولة الواحدة ، مما يستوجب على أبناء المجتمع الواحد احترام هذا التنوع والقبول به ، والقبول بما يترتب عليه هذا التعدّد من اختلاف أو خلاف في الفروع ، وان يسعى الجميع لإيجاد ارضية مشتركة جامعه لا منفرة ، موحدة لا مفرقة ، تتيح للفرد في المجتمع التعبير عن ذاته في اطار مذهبه بحرية لا تتجاوز حرية الآخرين المخالفين له في المذهب ، طالما وان الاختلاف لا يتجاوز الامور الأساسية التي لا خلاف فيها بين المذاهب الإسلامية مثل : الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره ، ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وحجيّة الكتاب والسنة ، ووجوب الصلاة ، ووجوب الصيام ، …. إلخ، وان الخلاف يقتصر على الفروع فقط مثل : نقض الوضوء بلمس المرأة ، و تحريك السبابة عند التشهد في الصلاة ، و الضم والسربلة في الصلاة ، و قراءة البسملة في الصلاة ، …. الخ .

وبما ان مفهوم التعددية المذهبية تعد سمة وظاهرة طبيعية في الدين الاسلامي ، فان الإقرار بتعدد المذاهب يجب ان يضمن لكل فرد في المجتمع حرية التفكير والتعبير المذهبي ، والاقرار بانه لا حق لأحد في الادعاء بفهم الاسلام ، والتفرد بتفسير النصوص و انكار ومصادرة حق الآخرين في ذلك ، وانه لا حق كذلك لاى احد في اتهام المخالفين للمذهب بمخالفة السنّة، والخروج من دائرة الدين و التكفير ، كما انه لا يحق لاى أحد مصادرة آراء الآخرين ومحاربة افكارهم ، او إنكار احد في حقه في التعبير الملائم عن ذلك الاختلاف في الاطار المناسب ، والابتعاد عن التعصب المذهبي ، والإيمان بأن فرض الاّراء بالقوة المادية او المعنوية لن يحقق للأمة الا مزيدا من التفتت ، والخروج عن روح الاسلام الحنيف ، وان يظلل هذا التعدد بمظلة القانون والدستور ، مع اهمية الالتزام بالتعددية من خلال الاتفاق على وحدة الأمة .

على ان تعدّد الاّراء والافكار في اطار المجتمع تندرج ضمن اطار “التعددية السياسية ” المفضية الي … “المشاركة السياسية ” ، وان المشاركة السياسية تعني اتاحة المجال لكل فئات المجتمع لطرح الافكار والاراء المختلفة ضمن اطار ضامن لحرية التفكير والتعبير المذهبي ، وان الحق في المشاركة والتأثير على القرار السياسي يعد حق يجب ان يكفله الدستور ، وان التاثر والتأثير في اطار المجتمع ماهو في الاصل الا اعتراف بمشروعية “تعدد القوى السياسية” وحقها في التعبير عن نفسها بحرية في اطار مناسب وبالشكل الذي لا يؤدي الي نشوب صراع داخلي يهدد السلم الاجتماعي ، خاصة وان تعدد القوى السياسية يعني التسليم بوجود معارضة تُمارس نشاطها المكفول بالقانون .

و طالما وان هناك اجماع و اتفاق على التعددية المذهبية في الدين الاسلامي ، وان هذا التعدد المذهبي يولد نصوص قانونيه تتعارض فيما بينها ، و طالما وان هناك اتفاق على قيام الدستور “كعقد اجتماعي ” بدور الضامن الوحيد لمختلف القوى السياسية ، و حتى لا تتقمص الدولة رداء المذهب المغلف بالدين في الظاهر ، خاصة وان الدولة تعد الكيان الجامع لكل المذاهب ، فان الامر يقتضي من الدولة عدم ارتداء قميص المذهب المغلف بالدِّين ، والذي ان تم فان الامر لا محالة سيوصلها الي تبنى آراء ذاك المذهب و الميل نحوه بوعى وبدون وعى ، وهذا من شانه ان يولد لامحاله الي الضغينة والرفض من قبل اتباع المذاهب الاخرى .

لذا نجد ان الأهمية تقتضي ان تبتعد الدولة ” ككيان معنوى ” عن كل ما من شانه تأليب المجتمع على الدوله او النفور منها ، وان يوضع الدستور كعقد اجتماعي جامع للامه من خلال اعتماد الشريعة الاسلامية بالعموم كمصدر من مصادر التشريع للقوانين الناظمة للحياة العامة ، مؤمنين ان الدولة يجب ان تتسع للجميع بمختلف انتمائاتهم ومذاهبهم وطوائفهم ، وان ترعى الدولة الحقوق الدينية لكل المذاهب والطوائف ، وان تنأى الدوله بنفسها عن كل ما من شانه ان يفرق الأمة على أساس مذهبي ، وان تعمل الدولة على جمع الأمة في اطار جامع تتوحد فيها

مفاهيم ” الوطن الجميع ” .

والله من وراء القصد ،،،،
نبيل حسن الفقيه
عمان
٣٠ سبتمبر ٢٠١٥م

نبيل حسن الفقيه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى