ارسال بالايميل :
5832
ناصر التميمي
تعتبر منطقة ميفع واحدة من المناطق الحضرمية الغنية بالموروث الشعبي ،حيث يوجد فيها كم هائل من الألعاب والرقصات الشعبية ناهيك عن العادات والتقاليد والمواقع التاريخية والأثرية ،للأسف الشديد تعرض كثير من هذا الموروث للإندثار والضياع بسبب عدم الإهتمام به وجمعه وتوثيقة خلال المراحل السابقة ،وماتبقى منه يعيش في حالة صراع مرير مع الزمن الغريب والذي أصابه بمقتل.
وأنا هنا اليوم بصدد الحديث عن واحدة من أهم وأعرق الألعاب الشعبية وأكثرها شهرة بالمنطقة ،إنها لعبة المكبارة التي تقام في السنة مرة واحدة لاسيما في العشر الأولى من ذي الحجة ،وهي عبارة عن رقصة تراثية يؤديها الرجال فقط تتمازج فيها الأرجل مع الأيادي والتي تبدو للناظر كأمواج البحر المتلاطمة في لوحة فنية جميلة جداً ،ومايميز هذه اللعبة عن غيرها من الألعاب الشعبية الأخرى التي تشتهر بها ميفع دخول بعض الأدوات فيها مثل الطبل والطاسة والتنكة والعصي الخشبية وكذلك يخصص عصا لحمل مايسمى المكبارة وهي عبارة عن جسم صغير مدور مصنوع من مادة اللبن يوضع في رأس العصى وتوضع فيه مادة اللبان والنار ويخصص لحملها شخص أثناء تأدية اللعبة على مدى الأيام التي تمارس فيها هذه اللعبة .
وأثناء تأدية اللعبة يصطف فيها اللاعبون في صفين وأثناء اللعب تحمل العصي في الأيادي وترفع الى الأعلى وتضرب بالأرض بركلات خفيفة ثم يتبرع في ساحة اللعبة أثنان من اللاعبين وتستمر مع ترديد الأهازيج ،وتتحول ساحتها الى ميدان للمبازرة بين الشعراء الشعبيين الذين يأتون اليها في السابق من كل حدب وصوب من أمثال يسلم المشعطر وأحمد الشدمة وسعيد بن صالح وعلي بامهدي وأحمد بن عيشة وآخرون الذين لم يحالفني الحظ في ذكرهم .
وفي اليوم الأخير يتم فيه تجهيز (الجوبنة) وهي عبارة عن أداة تصنع من مادة اللبن وتوضع في عصا في الظهيرة بعد تأدية الشوط الأول من اللعبة الذي يستمر من الصباح الباكر ويكلف بذلك أحد هواة اللعبة ويقوم بتزيينها بالألوان والزخارف ،وعندما تبدأ اللعبة، عند الساعة الرابعة عصراً يحضر الشخص المكلف بإعداد ها الى ساحة الميدان الذي تقام فيه المكبارة وتوضع فيها مادة اللبان وتشعل فيها النار ويتبرع بها اللاعب المخصص لحملها وسط الساحة ،وبهذا يعطي إشارة للحاضرين بأن اللعبة سوف تنتهي ولن تبدأ الا في العام القادم ،وقبيل أذان المغرب يقوم صاحب الجوبنة بالدوران وسط المكان المخصص لنهاية اللعبة ويلتف حوله اللاعبين على شكل دائري في المكان المخصص لنهاية اللعبة ،بعد ذلك يتم كسر الجوبنة وينطلق اللاعبين والمشاهدين جري الى المكان الذي تنطلق منه اللعبة معلنين نهايتها .
حاولت الغوص في البحث عن معلومات وتفاصيل دقيقة حول كثير من المعالم الأثرية والتاريخية والألعاب الشعبية في منطقة ميفع بغرض توثيقها فلم أجد الا القليل بسبب قلة المصادر التاريخية والوثائق المكتوبة التي ستوفر علينا عناء البحث ،لكن للأسف الشديد لن نعثر على شئ والسبب هو أن من عاشوا في تلك المرحلة لم يهتموا بالتوثيق نتيجة ربما للجهل الذي كان سائداً حينها في المنطقة،وما حصلنا عليه هي عبارة عن إجتهادات ولقاءات مع بعض المعمرين الذين أمدونا ببعض المعلومات القليلة وحاولنا توثيقها ونشرها في في وسائل الإعلام .
من خلال جلوسي مع كثير من المعمرين حاولت الحصول على تاريخ بداية هذه اللعبة ومؤسسيها الجميع أجابني بأننا وجدناها من آباءنا وأجدادنا ولا علم لدينا بتاريخ بدايات هذه اللعبة الأسطورة كما يحلوا لهم تسميتها ،لكن نحن نترك ذلك للباحثين والمهتمين بالتراث الشعبي.كان في السابق عندما تقام هذه اللعبة تتحول منطقة السفال حاضرة ميفع الى مزار وتنشط معه الحركة الأدبية ويأتي اليها الناس من كل مناطق ميفع ناهيك عن من يأتي من المناطق الأخرى كوادي حجر وبئر علي وغيظة البهيش وغيرها سيراً على الأقدام في تلك الفترة حباً وشغفاً لمشاهدة المكبارة التي تتحول الى عرس كبير وفرحة عارمة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك .
للعلم فإن هذه اللعبة كانت تقام في منطقتي الحيلة والسفال في نفس التوقيت من كل عام ،الا أنها في وقتنا الراهن بدأت تفقد ألقها وجمالها بسبب موت رموزها وهواتها ورحيل عمالقة الشعر الشعبي بميفع والأشخاص الذين يجيدون ضرب الطبول والطاسه والتنكة ،وهذه الأدوات قلما تجدها في أي لعبة أخرى وهذا هو سر اللعبة ،كذلك حاولنا جاهدين معرفة تفسير لكلمة الجوبنة ولماذا ترمز فلم نجد تفسير لذلك ،لكننا سنستمر في البحث حتى نتمكن من الحصول على معلومات دقيقة عن هذا السر.
كما أجدها فرصة هنا من خلال مقالي هذا أدعو فيه كل الأخوة في قيادة فرقة المكبارة بأن يهتموا بها ويوثقوا كل المعومات التي لديهم عن تاريخها حفاظاً عليهامن الضياع ووضعها في ارشيف الفرقة ليبقى مادة دسمة للباحثين في التراث الشعبي في المستقبل .
اضف تعليقك على الخبر