ارسال بالايميل :
8868
متابعات
توليفة فنية غنية يمثلها الفنان اليمني حميد عقبي، إذ يجمع بين كونه مخرجاً سينمائياً وكاتباً مسرحياً وناقداً فنياً، إضافة إلى تجربته في مجال الفن التشكيلي، ويرى عقبي أن هناك تكاملاً بين الفنون، وأن الفن تجربة ذاتية تنبع من داخل الفنان، ومن اللا شعور، لتترجم من خلال العمل الفني في حالة متفردة ليس لها مثيل.
وأخرج عقبي ثمانية أفلام سينمائية وله 27 كتاباً، إضافة إلى مقالات متعددة في النقد الفني، لتكلل مسيرته الفنية بتجربته التشكيلية التي لاقت نجاحاً، واستلهمت مفرداتها من الثقافة الشعبية اليمنية، وعرضت أعماله أخيراً في معرض Escape Yvonne Guegan في منطقة النورماندي بفرنسا، كما يقام معرضه "منامات دم الأخوين" حالياً في باريس.
وفي إطار الدور المجتمعي للفنان، خصوصاً في ما يتعلق بأبناء وطنه تبنّى حميد عقبي مبادرة بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود لدعم أطفال وضحايا اليمن المتضررين من كارثة سهول تهامة، من خلال التبرع بنصف عائد بيع لوحاته في دعوة للفت الانتباه إلى ضحايا هذه الكوارث، وإلى المشكلات التي يعانيها اليمن بشكل عام.
تكامل بين الفنون
فكرة التكامل بين الفنون المختلفة ليست جديدة، فكثير من الفنانين تعددت مواهبهم الفنية، ونجحوا فيها بالقدر ذاته، فالفن بالأساس هو إحدى وسائل التعبير عن ذات الفنان التي يستمدها من ثقافته وتكوينه والبيئة المحيطة به، عن هذا الأمر يقول حميد عقبي لـ"اندبندنت عربية"، "أرى أن هناك تكاملاً بين الفنون، يوجد ما يسمّى بالسينما التشكيلية، فالسينمائي يخلق لوحة تشكيلية من خلال الكادر، وتكوين اللقطة وزاوية التصوير والألوان، فيكون هناك نوع من الحرفية التشكيلية، فالسينما لا تقدم فقط دراما أو كوميديا، بل يوجد نوع من الذاتية في الصورة التي يقدمها الفنان، فالسينما هي الرسم بالكاميرا، وأحياناً تضاف بعض التفاصيل والألوان عن طريق المونتاج لتزيد من التعبير عن الحالة التي يرغب الفنان في الوصول إليها".
يستلهم عقبي لوحاته من مفردات الثقافة الشعبية اليمنية
ويضيف، "أتبنى في أعمالي مفهوم السينما الشعرية أو السينما السيريالية، وأرتبط كثيراً بروادها مثل الفنان الروسي أندريه تاركوفسكي، فبشكل عام الفنان يجب أن يكون مثل الطفل الذي يعبّر عن داخله وعن مشاعره من دون قيود، وأخيراً شهد العالم أزمة كبرى جعلت لدى الجميع مشاعر مضطربة، مثل القلق والخوف والترقب، إضافة إلى العزلة التي فرضت على الجميع، وبالطبع مثل هذه المشاعر سيعبّر عنها الفنان في لوحاته".
مبادرة لدعم أطفال اليمن
تبنى الفنان حميد عقبي أخيراً مبادرة بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود للتبرع بنصف عائد بيع لوحاته لصالح الأطفال المتضررين من كارثة سيول تهامة باليمن كدور مجتمعي رأى أنه لا بد للفنان من القيام به نحو مجتمعه وبلده وعن تفاصيل المبادرة يقول، "في الفترة الأخيرة شهد اليمن كثيراً من الأزمات التي تصل إلى حد الكوارث، فالحرب مستمرة إضافة إلى المرض ونقص الدواء، وأخيراً أزمة السيول، ومع الأسف الأطفال هم أكثر من يدفع الثمن في مثل هذه الأحداث، ومن هنا تقدمت إلى منظمة أطباء بلا حدود لعمل مبادرة للتبرع بنصف عائد لوحاتي لأطفال اليمن، فأطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات العاملة في المجال نفسه تعاني نقص التمويل، خصوصاً في ظل الأزمة الأخيرة التي يعانيها العالم كله".
ويضيف، "الهدف من مثل هذه المبادرات هو تسليط الضوء على الأزمات التي يعانيها اليمن ودعوة الناس للمشاركة والتبرع والقيام بمبادرات مماثلة، فالفنان لا بد من أن يكون له دور في خدمة المجتمع ودعم القضايا الإنسانية بشكل عام".
شجرة دم الأخوين
استلهم الفنان حميد عقبي كثيراً من أعماله من التراث والثقافة اليمنية وإحدى التيمات الأساسية الحاضرة بقوة في لوحاته هي شجرة دم الأخوين أحد أهم الرموز الثقافية في اليمن، التي ارتبط بها عديد من الأساطير، وعن هذا الأمر يقول عقبي "شجرة دم الأخوين هي من التيمات الرئيسة التي استلهمت منها كثيراً من أعمالي، وهي أحد الرموز الثقافية في اليمن، وهي شجرة توجد في جزيرة سقطرى، وتفرز مادة حمراء تشبه الدم يُستخرج منها كثير من المستحضرات العلاجية، وترتبط بها كثير من الأساطير في اليمن، أشهرها أنها شربت من دم الأخوين قابيل وهابيل عندما وقعت أول جريمة قتل في التاريخ، ومن هنا جاء اسمها".
يؤمن عقبي أن هناك تكاملاً بين الفنون يجسده في لوحاته
ويتابع، "اليمن بلد له حضارة عظيمة تعود إلى آلاف السنين، وعنده كثير من الرموز الثقافية إلا أن ما جرى توثيقه منها قليل جداً، ومعظمه لم يُشر إليه بشكل كافٍ، وأتمنى أن تلفت هذه الرموز نظر كل المهتمين بمجالات الفنون، مثل الكتابة والمسرح والفن التشكيلي، وتدفعهم إلى الاستلهام من تراثنا الثقافي الغني، كما أتمنى أن يجري الحفاظ على كثير من تراثنا وآثارنا التي بدأ بعضها يندثر بفعل عوامل متعددة".
فنان شرقي في مجتمع غربي
كفنان عربي مقيم في الخارج فترة طويلة، هل ترى أن الفن عابر الحدود والظروف أم أن دوره يكون في المجتمع والثقافة المستوحى منها هذا الفن؟ وكيف استقبل الناس في فرنسا أعمالك وتفاعلوا معها؟ عن هذا الأمر يقول عقبي "الفن عابر الحدود والجنسيات، وكثير من الفنانين العرب انطلقوا من أوروبا أو من الخارج عموماً، وحققوا نجاحات كبيرة ليس فقط في مجال الفن التشكيلي، ففي السينما على سبيل المثال حقق يوسف شاهين نجاحاً مدوياً في أوروبا، وتفاعلت الناس بشدة مع أعماله السينمائية ربما أكثر مما حدث في العالم العربي، الذي ينتمي إليه، فالفن عالمي بطبعه يتذوقه الناس في كل مكان".
ويستكمل، "الفنان ذاته يتأثر بكبار الفنانين بشكل عالمي من دون ارتباط بانتمائهم إلى ثقافة معينة، أنا تأثرت كثيراً ببيكاسو وسلفادور دالي وبنخبة من السينمائيين الذين تبنوا مفهوم السينما السيريالية، مثل لويس بونويل وباولو بازوليني".
هوية فنية
تبدو أعمال حميد عقبي التشكيلية، وكأنها اختزال لمشهد من حكاية تدفع المتلقي إلى تخيلها واستكمال الحكاية أو حل اللغز، كما تبدو متمردة على بعض القواعد الفنية، ولها خط فني يجمعها، فعلى أي مدرسة تُحسب لوحاته الفنية، وكيف يجد الفنان هويته الفنية؟ "اللوحة هي لقطة مثلها مثل الكادر السينمائي، وأعتمد على تقنية الحلم، فليس من الأهمية أن ترسم شخصاً أو وجهاً أو تنقل صورة كما هي، إنما دور الفنان أن يخلق حالة، وهي تكون حالة داخلية تعبر عن الذات والشعور الداخلي للفنان أكثر منها رغبة في الرسم، وأنا بتكويني الفني دائماً حتى في أعمالي السينمائية دائماً ما كنت أتجه إلى ما يعرف بالسينما الشعرية أو السينما السريالية، وهي تتمرد على كثير من القواعد النظرية، وتضع قواعدها الخاصة".
تعتمد لوحات عقبي على مفهوم السينما الشعرية أو السينما السيريالية
ويواصل، "كل فنان يتبنى هذا التوجه فهو يخلق تجربة ووعياً خاصاً به، يتطور عبر التجربة والممارسة، والتنقل بين مدارس فنية متنوعة، مثل السيريالية والتجريدية والتعبيرية ليقدّم في النهاية رؤية فلسفية جمالية، وليس درساً أكاديمياً أو نظرياً، وإن كان هذا لا ينفي أهمية معرفة الفنان بالنظريات والقواعد، لكنه في النهاية سيخلق شيئاً فريداً لا يتكرر يعبّر عن ذاته الشخصية".
السياسة والفن
الإشكالية الدائمة عن العلاقة المتبادلة بين السياسة والفن وكيفية تأثير وانعكاس كل منهما على الآخر وهل من الضروري أن يتواصل الفنان مع الناس ويتعاطى مع الأحداث المختلفة في المجتمع أم ينعزل ويركز على الجانب الفني مثلما يفعل بعض الفنانين؟ عن رؤيته لهذا الأمر كسينمائي وفنان تشكيلي يقول حميد عقبي "الفنان لا يجب أن يكون سياسياً، إنما يجب أن يبحر في كل شيء، ويعبر عن الإنسانية بمعناها الواسع، فهو يحمل سياسته الخاصة، لكنها سياسة جمالية ومطلقة، وقد تكون معارضة لوجهات نظر حزبية أو طائفية أو مذهبية لجماعة معينة، وانتماء الفنان إلى جماعة معينة سيجعل رؤيته الفنية مقصورة ومحدودة، وتتبنى وجهة نظر واحدة، فالفنان ربما يرغب في التعبير عن قيمة معينة، مثل الحرية مثلاً، لكنها تتناقض مع بعض التوجهات السياسية للحزب أو الجماعة".
ويضيف، "بطبيعة الحال الفنان يعيش في مجتمع، ويعيش مع الناس، وحتى لو انعزل عنهم فهو سيعبر عن ذاته، فالفن ليس منفصلاً عن الحياة، لكنه ترجمة للحياة، وهو تحقيق رغبة جمالية وتذوق وإحساس بحالة إنسانية، فحتى لو رسم الفنان ما يعبر عن الموت، فهو يعبر به عن جانب من الحياة".
الفنون البصرية في العالم العربي
يرى كثير من المثقفين والفنانين أنّ هناك حالة من الانفصال في العالم العربي بين الناس والفنون البصرية في مجملها، وليس هناك تفاعل من عموم الناس مع مثل هذا النوع من الفن بعكس الغرب، فكيف يمكن العمل على حل هذه الأزمة؟ عن هذا الأمر يقول عقبي "بالفعل يوجد نوع من الانفصال بين عموم الناس في العالم العربي وكثير من الفنون البصرية، ولدينا أزمة في هذا المجال تبدأ من المنظومة التعليمية التي لا تعطي الفنون أولوية رغم ضرورة أن تكون مواد أساسية ليشب الأطفال ولديهم قدرة على التذوق الجمالي، كما أن هناك أزمة مرتبطة بكثير من المؤسسات الثقافية والمثقفين أنفسهم في العالم العربي".
ويواصل، "في الغرب الفن مرتبط بالحياة، وهو جزء من المجتمع، بينما في العالم العربي حصرت المؤسسات نشاطها في الصالات ودور العرض، وأصبحت الفنون تقدم لفئة بعينها من الناس، بل إن بعض المثقفين يرى أن هناك قطاعات لن تستوعب هذا الفن، أو لن تفهم هذا الفيلم، رغم أن الفنون ليست حكراً على فئة بعينها، وقد يكون أشخاص بسطاء لديهم قدرة كبيرة على فهم الفن وتذوقه، فأجدادنا في كل العالم العربي كانوا يغنون ويرسمون وينظمون الشعر، وتركوا لنا تراثاً فنياً ثقافياً شديد الثراء".
اضف تعليقك على الخبر