ارسال بالايميل :
8789
بقلم : سام الغُبـاري
في اليوم الذي عُقد مجلس النواب بأغلبية دستورية داخل محافظة سيئون اليمنية، كان "صهيب حمود خالد الصوفي" يتعلل عدم حضوره برسالة بعثها إلى مجموعة البرلمانيين في تطبيق واتس أب، قائلًا : أنه يجري عملية جراحية لعينيه في مستشفى متخصص بألمانيا، وسأل زملائه : أيهما أولى المجلس أم عيني ؟، ولأنهم يمانيون صدّقوه، وتمنوا له الشفاء
قبل ذلك بأشهر، كان "صهيب" يضطجع في إحدى فنادق جدة، عقب لقاءه بـ "أبو تركي" الذي سلّم له مبلغ "500" ألف ريال سعودي إكرامية أميرية، وبعد أن أغلق عليه باب غرفته، فتح المُغلّف وتقافزت عيناه من محجريهما، وجُعِل يرقص كالممسوس، ويده اليسرى تختطف بفرح هائل هاتفه المحمول ليكتب رسالة نصية إلى والده يمازحه : إنها زرقاء تسر الناظرين وعليها ملك كريم، والتقط لرزمة المال صورة عاجلة وأرفقها برسالته .
على مسافة تبعد ١٨٠٠ كيلا متر شرقًا، كان "حمود خالد الصوفي" حاضرًا في اجتماع حماسي مع قيادات إماراتية بالعاصمة أبو ظبي، يشرح لهم " بأن استبعاد الحوثيين سبب رئيسي في اندلاع الحرب !!" !!، كان مرهقًا عابسًا، وهاتفه يضيء بإصرار مزعج أفقده كلماته واتزانه، وبعصبية مفتعلة نقر الرجل شاشة آيفون بلس، وبرزت رسالة ابنه على قائمة الاشعارات الهامة، فأنقلب مزاجه وتحسنت سجيته، وارتفعت كفاءته، وأدار رأسًا تعلوه ابتسامة عريضة باتجاه ضابط إماراتي رفيع، يسأله في شرود : لماذا ليس لكم ملك ؟!
حمود اسم مثير للشبهات في مدينتي، ويُطلق على المعتلين اجتماعيًا، وذوي الرغبات المدللة، لا أعلم سبب ذلك الإيحاء، ومن استوحاه، وكيف؟، لكنها مخارج الحروف الذمارية التي حوّلت الإسم إلى سُبّة لا يُطاق بعدها شيء .
كان الرجل الطويل يتمنى أن يصبح رئيسًا للوزراء، وفي ليلة دافئة في أواخر العام ٢٠١٧م ألتهم حبتيّ بطيخ خلال نصف ساعة فقط، وذهب متثاقلًا إلى دورة مياه في الطابق الأرضي لفندق ماريوت ابوظبي، قعد على الكرسي، ثم انتصب واقفًا ليتأكد من إغلاق الباب عليه، عاود جلوسه، وقرر التنازل عن منصب رئيس الوزراء، حدّث نفسه : أقل شيء وزير خارجية، وهز رأسه الضخم، نعم وزير أقل شيء، وكتب إلى الرئيس هادي رسالة قصيرة، قائلًا : لقد احرجني الناس كثيرًا، والأخوة في التحالف والوجاهات الاجتماعية لقبول منصب وزير الخارجية، وبعد استخارة طويلة، قررت الموافقة !، وتردد قليلًا قبل أن يضغط زر الإرسال . انتظر ساعة كاملة حتى تحول لون علامة التسليم إلى الأزرق . وأراد أن يسجل ذكرى هذا اليوم ، كتب بقلم أخضر عريض على باب الحمّام الأبيض من الداخل : اذا طال الزمان ولم تروني، فهذه ذكرياتي فتذكروني - اخوكم حمود خالد الصوفي - ٦ ديسمبر ٢٠١٧ م .
عندما خرج من دورة المياه، كان "أحمد الكحلاني" قد طاف ردهة الفندق الواسعة خمس وأربعين مرة بحثًا عنه، ولما رآه، أقبل عليه معاتبًا : أين أنت يا حمود ؟
ببرود : في الحمام !
ساعة كاملة يا رجل !!
لم يجب، وبعد برهة من الصمت، سأله : هاه سيدي ما كان تشتي ؟، فتمسك "الكحلاني" بوداعته المعروفة، قائلًا : أبدًا ولا شيء يا ابن عمي، لكني تلقيت رسالة من "السيد" ينصحنا معًا البقاء في الامارات وعدم ترك السفير أحمد علي أبدًا حتى لا ينقلب على الهاشميين بعد مقتل الزعيم .
(....)
غادر صهيب جدّة إلى اثيوبيا، وبدأ في أعمال المقاولات، أنشأ عدد من الشركات الفاشلة، فيما كان "والده" يستلم راتبه شهريًا على مدى سنتين، ويوم إذ دُعي "صهيب" إلى الرياض للقاء الرئيس هادي، خرج منه بعشره آلاف دولار، وقد أقسم اليمين على ولائه وإخلاصه للشرعية والرئيس، في الحق والباطل !.
تغضن وجه الرئيس سريعًا، ونظر إليه من أسفل، قائلًا بحدة : لا نريدك إلا في الحق يا ابني، أما الباطل فلا يرضي الله ولا رسوله. تلعثم الفتى وقد فشل تملقه، انتظر قليلًا ثم استأذن مغادرًا، في ظهيرة اليوم التالي كانت سيارة GMC سوداء تقله من فندق موڤنبيك إلى مطار الملك خالد الدولي .
سأله والده برسالة طويله عمّا دار بالأمس، وألح عليه معرفة رد فعل الرئيس حول أي قرار يمكن انتزاعه من الشرعية، واستدرك برسالة قصيرة أخرى : قل لهم إن الوالد أقل شي نائب رئيس وزراء ووزير خارجية .
كان صهيب يداعب رزمة الدولارات في جيب بدلته الداخلي، وبتأفف واضح رد : يا ابي مابوش وزارة، ولا وزير، خليك من ذا الهدار.
بعد لحظات اتصل به والده في محادثة عنيفة دامت خمس دقائق، يتذكر سائق السيارة الـ GMC كيف كان وجه الفتى مقموعًا ومرعوبًا، وصوت والده الحاد يطن بكلمات نابية لم تتوقف ولم تسمح لابنه الغر بالرد أو التبرير .
عفوًا .. شيخ يحيى الراعي .
فقد أخذتك معي قسرًا في حكاية مملة، رغبت أن أسردها عليك، بعد أن أثارتني رسالة "صهيب الصوفي" التي كتبها والده نيابة عنه، فكل شيء ممكن إلا الكذب .
والأخزى من كل ذلك الكذب ذُلًا، تلك صفة مذمومة، أخطر من السرقة، لأن الكاذب يحرم الانسان الحقيقة .
والله المستعان
اخوكم : سام الغُباري
مارب
اضف تعليقك على الخبر