ارسال بالايميل :
4559
بقلم : المحرر السياسي
تتشح عدن مجددا بالادخنة ورائحة البارود وهي المحررة منذ سنوات سبع مضت والمحرومة من حقها الطبيعي كعاصمة مؤقتة للبلاد من الخدمات والماء والضوء والأمن والأمان ، وكأنه قدر لأبنائها العيش بهذا البؤس المجرد من اي بوادر أمل تلوح في الأفق ، وأن تستمر كمدينة في تجرع أخطاء المنفلتين من عقالهم في زمن مغلوط يعج بالعدمية منذ ربع قرن من الزمان حين حولت عدن إلى قرية ومقبرة وخرابة وتزاحم وجوه عديدة خرجت من أجداثها لتثأر من هذه المدينة المسالمة وتغتال سكينتها ، في معركة ثأرية مع مدنيتها ورمزيتها للدولة ومع ثقافتها وتاريخها العريق ، تآلبت قوى التخلف كلها في لحظة غادرة لقتل عدن ومشروعها الوطني وقتل تجربتها الفريدة في بناء الدولة التي قادها الحزب الاشتراكي اليمني ، ومرت السنين العجاف لتخفق تلك القوى بتقديم البديل الافضل ، وكلما احدثته كان مجرد عمل عصبوي قائم على مرتكزات النهب وتجريف القيم والعمل بدأب على تحطيم النموذج الحضاري الذي قدمته عدن للعالم في جوانب احترام القانون والنظام والعمل المؤسسي والعدالة الاجتماعية .
ان احداث الشيخ عثمان التي وقعت بين قوات امنية تابعة للمجلس الانتقالي وأسفرت الى جانب الضحايا بحدوث اضرار في الممتلكات العامة والخاصة وخلفت حالة من الرعب في اوساط السكان ، هي أحداث تنطوي على وضع مربك وغير طبيعي وضار الى ابعد الحدود في مضامينه ونتائجه وتوجهاته على القضية الجنوبية وعلى مستقبلها ، وتلقي بظلالها السوداء على مجمل الانجازات التي تحققت في مسار انتصارات المقاومة الجنوبية على الميليشيات الطائفية والارهاب ، كما وانها تعمل على خلخلة الجبهة الداخلية وضربها في الصميم ، وهو جرم ، ان لم يتم اتخاذ ما يفضي الى عدم تكرار التمترس الجهوي المتمنطق بقوة السلاح لدواعي ليس لها علاقة بالأمن ولا تمت اليه بصلة ، وكحالة تحمل من التعقيدات والألغام والأفخاخ ما لن يقود مطلقا الى تجسيد ولاءات وطنية ، وستؤسس اذا ما استمر الحال كما هو الى كانتونات وامراء حرب ودورات صراع دامية ستحول حتما عن احراز اي تقدمات سياسية وستقود إلى إجهاض اي تطلعات لاستعادة الدولة .
ان ما حدث ويتكرر حدوثه يؤكد على حالة شتات كارثية تعيشها التشكيلات الامنية والعسكرية المختلفة ، وهي حالة اعترت كذلك قيادات عسكرية وأمنية في الشرعية وغيرها في اكثر من مدينه ومنطقه في البلاد ، تتكسب من الجبايات وفرض الاتاوات في النقاط والاستيلاء على أراضي الغير وتدخلاتها في الشأن الخاص للمواطن وقيامها بالتعسفات والاختطافات ، وإقامة استثمارات يذهب ريعها إلى حساباتها الخاصة وهو ما لا ينبغي أن يكون ويستمر ، ذلك أن انخراط قادة الوحدات في مصالح كهذه بالاستقواء بقوة السلاح يتناقض كليا مع المهام الموكلة إليهم كما ويقود إلى تحويل تلك الوحدات إلى حارس لتلك المصالح والدفاع عنها بمعزل عن اي قضايا وطنية ، وأن ما جرى من أحداث دامية في الشيخ عثمان هو نموذج للعصبيات وتعارض المصالح وما شاب تشكيل تلك الوحدات من حسابات مناطقية بعيدا عن المهنية وغياب التأهيل والتدريب وعدم خضوع قياداتها لمعايير التعيين ، الامر الذي يبلور تحديات عويصة امام عملية إعادة دمجها وتوحيدها واعادة تموضعها خارج المدينة.
ان المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على العاصمة عدن حري به تحمل المسؤولية الوطنية للعمل بوتيرة عالية على انهاء اسباب التوترات البينية العسكرية والامنية وعدم السماح بالزج بالأفراد في صدامات داخلية تقوض وتضعف تعاضد الجبهة الداخلية وما تحدثه من اقلاق لسكينة الناس وأمنهم ، وما يترتب على كل تلك الأخطاء والممارسات من نتائج لن تصب مطلقا في صالح الحركة السياسية الجنوبية ، ويراكم تأثيراتها السلبية في انفاذ بنود اتفاق الرياض خاصة تلك البنود التي تستوعب في مضامينها افاق عملية نحو حل القضية الجنوبية العادلة ، كما وحري به أيضا من الباب ذاته تكثيف الجهود للحفاظ على امن واستقرار عدن وابنائها وتهيئة الاجواء لعودة الحكومة واستكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض من اجل تمكين الحكومة لاطلاق رزمة اصلاحات اقتصادية ومالية تحاصر الفساد وتهيئ الظروف المناسبة لمحاسبة أدواته وبما يساعد على النهوض بالأوضاع الخدمية والأمنية وتحسين الوضع المعيشي للسواد الأعظم من المواطنين الذين يرنون بعينونهم وقلوبهم إلى السلام والطمأنينة بعد سبع سنوات من المعاناة والدموع والاحزان والنزوح القاسي.
ان ما تحتاجه عدن وغيرها من المحافظات المحررة في ظل التحديات القائمة هو السلام وتقديم النموذج الافضل في التنمية والخدمات والاحتياجات العامة المرتبطة بواقع المواطن المعيشي والخدمي واهمية تكثيف الجهود وتعزيز التدابير الملحة لتحسين الاوضاع المعيشية والخدمية وتخفيف معاناة الناس في ظل الحرب وتداعياتها وما خلفته من مآس ورزايا على مختلف الصعد والمجالات ، وهي تحديات يتوجب على الجميع ، الحكومة والانتقالي والتحالف مجابهتها بالطريقة التي تفضي إلى واقع جديد يحقق بعض اماني الشعب ويبرز الفارق بين ماهو (محرر وغير محرر ) .
اضف تعليقك على الخبر