ارسال بالايميل :
2593
بقلم : محمد علي محسن*
اليمن مثل العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا ولبنان وسواه ، فكلما كنت ضعيفًا وممزقًا اجتماعيًا وسياسيًا فإنه يسهل إختراقك وضربك ومن ثم قتلك وتركك فريسة تنهش فيك ضاريات الذئاب والكلاب ، بل وكل دابة عابرة ..
الذين يتحدثون الآن عن الجماعة الحوثية في الشمال أو الإنتقالي في الجنوب ، غفلوا أن الفئتين المسيطرتين الآن هما نتيجة لمعضلة تاريخية سببها صراع أزلي على السلطة وفقدان اليمنيين للدولة العادلة .
لقد أفرط اليمنيون كثيرًا في الكلام عن سيطرة هذا الفصيل أو ذاك ، وتناسوا حقيقة أنه ما من دولة قوية وراسخة تم بنائها على كامل مساحة اليمن .
حتى الدولة الجنوبية التي ورثها رعيل الثورة والاستقلال لم تدم طويلًا ، إذ تم إنهاكها ومن ثم عقرها من فصائل متناحرة كقربان على قارعة السلطة والإستئثار بها .
في المنتهى الجنوب مثل الشمال ، فأزماتهما وصراعاتهما موغلة في القدم ، فلم يكن سببها الأوحد التوحد أو التجزئة وإنما السلطة باعتبارها غاية ومطمعًا لهذه الجماعة أو تلك الفئة .
فمن يقرأ تاريخ اليمن قديمه وحديثه فلن يعثر فيه إلَّا على صفحات زخرت بالقتل والدم والبُغض والاقصاء والتهميش والفيد والهيمنة المستأثرة بكل الموارد والقدرات البشرية والطبيعية التي كان يمكن تسخيرها لبناء دولة قوية مستقرة .
نعم ، تاريخنا مثقل بالألم والحزن والمآسي ، ومع جُل تلك النكبات والكوارث لم نتعظ أو نتعلم من تجاربه المريرة ، فكل من أذعنت له سلطة ما أو نفوذ ذهب يمارس ذات الجبروت والطغيان الذي كان سببًا في انتفاضته أو ثورته .
حتى تلك التواريخ القليلة المشرقة ، لا يكاد المرء يعثر عليها نتيجة لطغيان العنف . والمؤسف أن أزمات وحروب ألفي عام كانت لأجل الهيمنة على البلاد والعباد أكثر من أن يكون صراعًا غايته الدولة .
عاشت اليمن قرونًا مظلمة ، سادت فيها الفظائع والحروب والثأرات ورغبة الانتقام . كما وباعث هذه الأشياء هو الغبن المجتمعي الذي كان غالبًا ومنهكًا ومثبطًا لأي استقرار سياسي ، طوال حقب تاريخية سالفة .
نعم ، توحد اليمن قليلًا ولكن بجز الرقاب والتسلط والقهر والإذلال ، كما وتمزق كثيرًا إلى دويلات وعشرات المسميات - سلطنات ومشيخات وإمارات - وهذه الكانتونات لم تقتصر على مساحة بعينها مثلما يظن البعض وانما على امتداد مساحة اليمن قديمًا وحديثًا .
وجميعها ودون استثناء تشكلت بسبب الاضطهاد الذي مورس وبقسوة على معظم اليمنيين ، فما من إنسان يحب قيوده ولو كانت من ذهب وفق تعبير ابراهام لينكولن ، رئيس الولايات المتحدة وقائد ثورة تحرير العبيد .
ً
والحقيقة أن اليمن ليست وحدها من عانى شعبها من نفوذ الفئات المتسلطة ، فمن رحم الهيمنة الفئوية أو السلالية أو الطائفية أو المناطقية ولدت فصائل العراق ، وبرزت مأساة سوريا ، وتخلقت سلطات لبنان ، وتكونت جماعات ليبيا ، وعادت حركة طالبان للواجهة ثانية .
ويخطىء من يعتقد أن صراعات الداخل بمعزل عن تدخلات الخارج ، بل الخارج عامل مؤثر ومهم ، سلبًا وإيجابًا ، فالحال أنه وكلما كانت غايتك دولة كلما قلت فرصك وزادت أزماتك ، والعكس أيضًا ؛ فكلما كانت السلطة هدفًا لك كلما زادت فرصك ووجدت من يمدك بالمال والسلاح .
الآن يتحدث الإعلام عن طالبان الواصلة للحكم ، وفي الأمس القريب تحدثوا عن مليشيات الحشد الشعبي العراقي ، ومن ثم مليشيات الحوثي ، ودونما ينطق أحد ببنت شفة باعتبارها قوة ضاربة لروح الدولة ولصميم الإستقرار المجتمعي والوطني .
ولماذا غادرت القوات الأمريكية العراق تاركة إياه فريسة لفصائل طائفية ؟ ولماذا تكرر اليوم انسحابها من أفغانستان معرضة أهلها وأطفالها ونسائها وقادتها لأبشع الجماعات الإسلامية تخلفًا وعنفًا واضطهادًا ؟؟
ولماذا دُمرت سوريا وقُتل ونزح الملايين إذا لم تكن الغاية دولة ديمقراطية عادلة ؟ ولماذا دول التحالف العربي تدخلت عسكريًا وسياسيًا في اليمن إذا لم تكن غايتها استعادة الدولة اليمنية وبسط نفوذها وسيادتها على كامل المساحة والمجتمع ؟؟؟ .
*من صفحة الكاتب بالفيسبوك
اضف تعليقك على المقال