يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الرئيس و تعز .. من التوصيف إلى التأسيس

عمر الحار

 

الكاتب : عمر الحار 

في عالم الأخبار ، ثمة نصوص تقف عند حدود الإبلاغ ، وأخرى تتجاوز ذلك إلى مستوى التأسيس لوعيٍ جديد ، ورسم معالم مرحلة قادمة .
ومن هذا النوع الأخير ، كان الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) مساء الاثنين عن لقاء فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي ، برئيس وأعضاء لجنة المصالح المجتمعية في محافظة تعز .

الخبر لم يكن مجرد سردٍ لوقائع بروتوكولية ، بل انعكاسٌ لتحول نوعي في خطاب الدولة ، كما جاء على لسان رئيسها . لقد عبر اللقاء عن مقاربة سياسية عميقة تتجاوز الظرفي والعابر ، إلى قراءة استراتيجية لتعز ، باعتبارها محورًا في معادلة استعادة الدولة ، لا هامشًا في حسابات التوازن.

تحدث الرئيس عن تعز ، لا بوصفها مدينة جريحة فقط ، بل باعتبارها مرتكزًا تاريخيا ووطنيا لمشروع الجمهورية ، ومنطلقًا ضرورياً لأي تسوية جادّة أو نهوض وطني شامل. وبفهم رجل الدولة الذي يعي طبيعة المجتمع وتعقيدات المرحلة ، شدّد على أن إعادة الاعتبار لتعز ليست مجاملة جغرافية ، بل خطوة لازمة لإعادة ضبط بوصلة المشروع الوطني.

وكان فخامة الرئيس في كلماته ، يعيد توجيه الأنظار نحو تعز كحالة رمزية وميدانية في آنٍ معًا . مدينةٌ تختزن في ذاكرتها النضالية وشوارعها المقاومة بذور الخلاص الوطني ، وتكثف في مشهدها المعقد معضلات اليمن وآماله . وهي في نظره ليست عبئًا على الدولة ، بل فرصة لإعادة تأسيسها من جديد .

إن مقاربة الرئيس لا تُعوّل على حلول جاهزة ، ولا تستجدي مخرجًا من الخارج ، بل تنطلق من الإيمان بأن التعافي الوطني يبدأ من الداخل ، من تصحيح مسارات القوى الوطنية، لا سيما في تعز ، باعتبارها معقلا تاريخيا للفعل السياسي المقاوم ، ومسرحا لا غنى عنه لإعادة بناء التوافق الجمهوري الجامع .

فخامة الرئيس لم يقرأ تعز قراءة رومانسية ، بل قرأ تعقيدها بوعي رجل الدولة ، الذي يميز بين الشعارات العابرة ، ومركز الثقل في معادلة البناء الوطني .
رأى فيها نقطة البدء لا مجرد محطة ، وقرأ في أوجاعها مشروعا للشفاء ، لا سردية للبكاء . أعاد وضعها في موقعها الطبيعي كقاطرة للتغيير ، لا كضحية تبحث عن مواساة.

ومع هذا التوصيف العميق ، كان الرئيس يؤسس ، بوضوح ودراية ، لفهمٍ مختلف لتعز ، يضعها في قلب مشروع استعادة الدولة ، لا على هامشه ، ويمنحها شراكةً أصيلة ، لا دورا ديكورياً في التسويات .

لقد قدم العليمي رؤية سياسية ترتكز إلى الداخل ، وتعوّل على ترتيب الصف الجمهوري من نقطة قوته الحقيقية ، لا من هشاشة الأطراف . وهي رسالة تتجاوز النخبة إلى الجمهور ، وتدعو كل القوى الوطنية إلى إعادة التفكير في مواقفها ، وتموضعها ، ومسؤوليتها أمام الوطن الذي لا يملك المزيد من ترف التشظي .

ان ماقاله فخامة الرئيس في دقائق معدودات ، يجب ان يقرأ كوثيقة سياسية لا خبر عابر .
وثيقة تفتح نقاشًا جادًّا حول مكانة تعز ، لا في جغرافيا الحرب فقط ، بل في خريطة الحل أيضاً . فكما كانت مفتاح الثورة والجمهورية ، تظل اليوم مفتاح الخروج من الأزمة ، متى ما أعيد الاعتبار لها ، قولا وممارسة ، دعما وتمكينا ، لا تعاطفا ظرفيا ولا مجرد زيارة رمزية.

و ختاما فان اعادة بناء الدولة لن تكون ممكنة دون اعادة بناء علاقاتها بتعز ، لا بوصفها ملفا انسانيا او سياسيا مؤجلا ، بل باعتبارها نقطة البداية ، والشرارة التي تلهب التحولات الكبرى الوطنية ،  وتعمل على انضاجها .

و في تعز ، كما المح الرئيس ببصيرة العارف . لا تزال جذوة الجمهورية حية ، تنتظر فقط من يحسن قراءتها ، ومن يملك الشجاعة لاستدعائها إلى مركز القرار ، حيث يُصنع المستقبل .

اضف تعليقك على المقال