يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

شهادات يمانية في حب مصر العروبة

عبدالسلام الدباء

 

الكاتب :عبد السلام الدباء*

الذاكرة اليمنية تختزن في جوفها صفحات لا يمحوها الزمن، صفحات كتبت بدماء الأحرار وبحبر المخلصين، وكان من ذلك الحبر ما قدمته مصر العروبة وشعبها البطل وزعيمها الخالد جمال عبد الناصر.. فكلما أقبلت ذكرى ثورة اليمن الام في الـ 26 من سبتمبر، ومن بعدها ثورة الـ 14 من اكتوبر ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، ما ان تاتي هذه الذكريات إلا و تعود إلى القلوب حكاية وفاء خالدة بين اليمن ومصر .. بين بلد كان يرزح تحت حكم كهنوتي غاشم واستعمار متسلط، وبين أمة عربية عظيمة لبّت نداء العروبة، وقدمت أغلى ما تملك دفاعاً عن حرية اليمنيين وحقهم في الحياة الكريمة.

لم يكن حضور مصر في اليمن حدثاً سياسياً عابراً، بل كان تحولاً تاريخياً صنع فارقاً في مسار أمة كاملة.. فقد أدرك الزعيم العربي جمال عبد الناصر أن اليمن لا يمكن أن يبقى سجناً كبيراً تحت حكم الإمامة الكهنوتية الظالمة، ولا أن يستمر مستعمراً بائساً تحت وصاية البريطاني الأجنبي.. ومن هذا الإدراك انطلقت مصر لتقف بجانب اليمن، فتُرسل جنودها البواسل إلى الجبال والسهول والوديان، يقاتلون جنباً إلى جنب مع الثوار اليمنيين، حتى بات الدم المصري واليمني أخوين في معركة الحرية.

غير أن الدور المصري لم يتوقف عند حد السلاح والرجال.. لقد أرسلت مصر إلى اليمن جيشاً آخر، جيشاً من المعلمين والأطباء والمهندسين والخبراء، ليحملوا في أياديهم مشاعل المعرفة والتنمية.. فدخلت إلى المدارس أصوات المعلمين الأساتذة من القاهرة والاسكندرية واسوان، وامتلأت المستشفيات بخبرات طبية قادمة من ضفاف النيل و الاسماعيلية و بورسعيد، وتعلم اليمنيون أول دروس النهضة الحديثة على أيدي المصريين الذين جاءوا بحبهم قبل علمهم.. لقد كانت تلك المواقف بذوراً أولى لغدٍ مختلف، غدٍ أراده عبد الناصر لليمن كما أراده لمصر وللأمة كلها: أمة حرة لا تخضع لهيمنة، ولا تركع إلا لقيمها ومبادئها.

ولأن العطاء الكبير لا يُنسى، فقد سجل اليمنيون في وجدانهم أن لمصر شهداء ارتقوا في جبالهم، وأن لمصر عرقاً امتزج بترابهم، وأن لمصر حباً خالصاً ما زال يتجدد مع كل جيل.. إنهم يتوارثون ذكرى تلك المرحلة، لا باعتبارها قصة تاريخية، بل باعتبارها شهادة حيّة على أن العروبة عندما تتجسد في أفعال عظيمة فانها تبقى خالدة ابد الدهر.

وفي ظل ما يعيشه اليمن من تحديات، يزداد إدراك الأجيال الجديدة أن ما فعلته مصر لم يكن مجرد مساعدة آنية، بل كان تأسيساً لجسر لا ينكسر من الأخوة والوفاء.. لذلك، فإن الاحتفال بسبتمبر وأكتوبر لا يكتمل إلا بالتحية لمصر، ولشعبها الكريم، ولزعيمها الراحل جمال عبد الناصر الذي أحب اليمنيين فبادلوه الحب بالحب.

واليوم وفي الذكرى الـ 63 لثورة 26 سبتمبر اليمنية العظيمة، يبقى السؤال الذي يتردد في وجدان كل يمني اصيل : كيف يمكن رد الجميل لمصر، وهي التي لم تبخل يوماً بروحها وعرقها من أجل اليمن؟ 
لكن ربما يكفي أن نقول: إن حبنا لمصر ليس ذكرى ماضية، بل حاضر دائم، ومستقبل نرسمه معاً على ضفاف النيل وفي جبال صنعاء وسهول حضرموت، وشواطئ عدن، لتظل الشهادات اليمانية في حب مصر، قصيدة لا تنتهي.
 
------
* مستشار وزارة الشباب والرياضة

اضف تعليقك على المقال