الكاتب : عادل الشجاع
في أحد تقارير صحيفة “التليجراف”، كتب بوريس جونسون — السياسي البريطاني المعروف — عن زيارته إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، دخل بيت طارق عزيز، الوزير العراقي الأسبق، ليجد الفوضى تعم المكان: مكتبة مبعثرة، خزائن مقلوبة، أوراق رسمية متناثرة في مسبح جاف، ووسط هذا الدمار علبة سجائر حمراء من الجلد التقطها كنوع من الفضول، لم يخبئها، بل كتب عنها علنا، فثار الإعلام البريطاني، ليس لأن العلبة ذات قيمة، بل لأن ما فعله قد يعتبر “نهبا لأثر أجنبي” — جريمة تستوجب التحقيق!.
أجل، شرطة لندن فتحت تحقيقا مع مرشح لعمدة لندن، وسياسي بارز، لأنه التقط علبة سجائر من بيت مهجور! هكذا تبنى الدول: بالقانون، لا بالقوة..
بريطانيا، الجزيرة الصغيرة التي لا تملك نفطا ولا ذهبا ولا أنهارا، تحولت إلى واحدة من أقوى الدول في العالم، فقط لأنها دولة قانون، القانون فوق الجميع، من الملك إلى أصغر شرطي، لا حصانة لأحد، ولا حماية للمنتهكين باسم السلطة أو النفوذ أو “الثورة”..
أما نحن في اليمن، فلدينا مجلس قيادة رئاسي نصفه زعماء مليشيات، والنصف الآخر شركاء صامتون في الجريمة، لدينا دولة تلبس زي الدولة، لكنها خالية من مؤسسات الدولة، لدينا أجهزة أمن، لكنها تعمل كأذرع للمليشيات، والقتلة يتجولون بحرية، وتجار المخدرات يستقبلون في مقرات رسمية، والخاطفون يفاوضون الضحايا بلا خوف من محاسبة..
كيف يبنى وطن يكرم فيه القاتل ويهان فيه القاضي؟
كيف تقوم دولة ورأس سلطتها يشمل قادة مليشيات تقترف الجرائم صباح مساء؟
كيف نحلم بالأمن، وقادة الأمن يحرسون أبواب العصابات؟
العيب ليس في غياب الثروات، فاليمن أغنى من بريطانيا بالموارد الطبيعية، لكنه أفقر منها بالعدالة، العيب ليس في المواطن، بل في غياب دولة تحميه، وتطبيق قانون يردع من يظلمه..الفرق بيننا وبينهم: هم يحكمهم القانون… ونحن تحكمنا الفوضى والسلاح..
إذا كنا نطمح إلى مستقبل، فعلينا أن نبدأ من هذه الحقيقة المرة:
لا نهضة بدون عدالة، ولا عدالة في ظل دولة تختطفها المليشيات..
اضف تعليقك على المقال