يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الطمع… نار لا تشبع

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين 

الطمع شعور إنساني خطير، يتسلّل إلى القلوب بهدوء، ثم ما يلبث أن يتحوّل إلى وحشٍ يلتهم كل شيء، فلا يترك لصاحبه راحةً ولا يتيح له أن يذوق طعم السكينة. الطمع ليس مجرد رغبة في المزيد، بل هو شهوة لا تنطفئ، جوعٌ لا يشبع، عطشٌ لا يرتوي. وربما يكون الطمع هو المرض الوحيد الذي كلّما حاول صاحبه أن يُسكته بالزيادة، عاد أكثر قوة وأشدّ ضراوة
الإنسان الطامع لا يعيش الحاضر، ولا يرضى بما في يده، بل تراه دائم التطلّع إلى ما في يد غيره. يعيش في مقارنة مستمرة، ويحسب أن السعادة في المزيد من المال، أو النفوذ، أو المكانة. لكنه في الحقيقة يُرهق قلبه، ويضيّع عمره، لأنه مهما جمع، فلن يكتفي. يقول ابن القيم رحمه الله: “الطمع هو أساس كل بلاء، وبه دخل إبليس على آدم”. فما أعظم هذه الكلمة، إذ تشير إلى أن أول سقوط للإنسان في التاريخ كان بسبب الطمع، حين طمع آدم وحواء في ثمرة لم تكن لهما، مع أن الجنة كلها كانت بين أيديهما
ومن هنا نفهم أن الطمع ليس مجرد خطأ عابر، بل هو أصل لمآسٍ كبرى. الطمع يُفسد العلاقات، يُدمّر الصداقات، ويُحطّم البيوت. كم من أخٍ خاصم أخاه بسبب طمع في ميراث، وكم من صديق باع صديقه بسبب طمع في منصب أو مال، وكم من زواج انتهى لأن أحد الطرفين لم يرضَ بالقليل فطمع في المزيد
أما الرضا، فهو النعمة العظمى التي قلّ من يتذوقها. الرضا لا يعني التوقف عن الطموح، لكنه يعني أن تبني طموحك على شكر، لا على حسرة، وعلى قناعة، لا على طمع. الرضا أن تعمل وتجتهد وتسعى، ثم حين يأتيك رزقك، تقبله بطمأنينة، وتعلم أنه لو كان لك أكثر، لأتاك
علي بن أبي طالب رضي الله عنه لخّص المعنى كله حين قال: “الطمع رقّ مؤبد”. فالطامع عبد لرغباته، مهما تظاهر بالحرية، تراه مسجونًا في قيود لا تُرى، تحرّكه أطماعه كما تشاء. بينما القنوع، وإن لم يملك إلا القليل، فهو ملكٌ على عرشه، مرفوع الرأس، لا يمد يده إلا لطلب من الله
ولعل أجمل ما يُقال هنا: إن الطمع يحرم الإنسان من جمال اللحظة. فالطامع يعيش في غدٍ وهمي لا ينتهي، بينما القنوع يعيش سعادة يومه. الطامع يحصي ما ينقصه، أما القنوع فيحصي ما أنعم الله عليه به. الأول يلهث وراء سراب، والثاني يكتشف أن الجنة الصغيرة قد تكون في كوب ماء بارد، أو في قلبٍ مُحب، أو في لحظة سلام داخلي
والحياة، في نهاية الأمر، لا تُقاس بما جمعناه، بل بما استطعنا أن نعيشه بصفاء. فالطامع يترك الدنيا خاسرًا حتى وإن ملأ خزائنه، بينما القنوع يتركها رابحًا، لأنه عاش في راحة بال
فإلى كل قلبٍ أرهقه الطمع: جرّب أن تُغلق أبوابه ولو مرة، أن تُطفئ ناره، أن تقول لنفسك: “ما قسمه الله لي هو الخير”. عندها فقط ستعرف معنى الحرية، وستذوق لذة الحياة كما لم  تذقها من قبل
“الطمع ليس في كثرة ما تملك، بل في قلة ما يملأ قلبك. وما امتلأ قلبٌ بالطمع إلا ضاع منه الرضا، وضاع معه السلام. فالطمع نار لا تنطفئ، كلما ألقيت فيها من حطام الدنيا ازدادت اشتعالًا، حتى تلتهم صاحبها قبل أن تلتهم ما حوله
وقد حذّرنا رسول الله ﷺ من هذا الداء فقال: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب». في هذا الحديث الشريف تظهر حقيقة الطمع بجلاء، فهو لا يشبع ولا يقف عند حد، بل يظل يجر صاحبه إلى مزيد من اللهاث حتى يدفن تحت التراب، حينها فقط يتوقف
فلنحذر أن نبيع سعادتنا بلقمة من طمعٍ لا يشبع، ولنُدرك أن القناعة ليست كلمة نردّدها، بل هي أسلوب حياة، ودواء للروح، وراحة للنفس. ومن عرف قدر ما بين يديه عاش أغنى من الملوك، ومن جعل الطمع قائده فلن يذوق راحة مهما بلغ من الدنيا. إن النهاية الحقيقية للطامع ليست في فقر الجيب، بل في فقر القلب، وما أتعس قلبًا لم يعرف القناعة طريقًا إليه

اضف تعليقك على المقال