يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

فلسطين حرة.. من برج المراقبة إلى كل أبراج الإعلام ؟!

عبدالسلام الدباء

 

الكاتب : عبدالسلام الدباء*

في عالمٍ تتداخل فيه السياسة مع الإنسانية، وتُقاس فيه المواقف بعدد المتابعين لا بصدق الضمير، يسطع نجم موظفٍ بسيط في مطار باريس (شارل ديغول)  ليُعيد تعريف البطولة في زمن الصمت.. 

لم يكن هذا الرجل مسلماً ولا ناشطاً ولا حتى من أبناء فلسطين، بل كان مراقباً جوياً فرنسياً يؤدي مهامه اليومية في برج المراقبة، إلى أن حلّقت طائرة "إل عال" الإسرائيلية في سماء باريس، فاختار أن يودّعها بكلمة واحدة عبر اللاسلكي: "فلسطين حرة"..

كلمةٌ واحدة، لكنها كانت كافية لتُشعل جدلاً سياسياً، وتُثير غضب السلطات الإسرائيلية، وتدفع الحكومة الفرنسية إلى إيقافه عن العمل.. وزير النقل الفرنسي (فيليب تابارو) أكد صحة الواقعة، معلناً سحب صلاحيات المراقب "حتى إشعار آخر".. لكن هل كانت هذه الكلمة خطأً مهنياً؟، أم انها كانت صرخة ضمير في وجه عالمٍ يفضّل الحياد على الحقيقة ؟!!

المفارقة أن هذا الموقف لم يصدر عن ناشطٍ سياسي أو دبلوماسي، بل عن موظفٍ في منظومة الطيران، لا يملك سوى صوته عبر اللاسلكي، لكنه استخدمه ليقول ما عجز عنه الكثيرون في زمنٍ تُقاس فيه الجرأة بعدد الإعجابات، وتُكتم فيه الأصوات خوفاً على الوظائف أو الحسابات الشخصية، يخرج هذا المراقب ليُعلّمنا أن الدفاع عن الحق لا يحتاج إلى مال أو إلى وظيفة أو إلى دين، لكنه فقط يحتاج إلى إنسانية..

فلسطين لم تعد قضية العرب والمسلمين فقط، بل أصبحت قضية كل من يحمل قلباً ينبض بالعدالة.. من أمريكا إلى جنوب أفريقيا، ومن أوروبا إلى آسيا، تتردد عبارة "فلسطين حرة" على ألسنة من لا يعرفون العربية، لكنها تسكن ضمائرهم.. إنها قضية الإنسان الحر، الذي يرفض الظلم، ويؤمن بأن الاحتلال لا يُبرَّر، مهما تعددت الروايات..

هذا المراقب الجوي، الذي ضحَّى بوظيفته، يضعنا أمام سؤالٍ محرج: كم من السياسيين والإعلاميين والفنانين والمؤثّرين والمشاهير يملكون منصاتٍ إعلامية ضخمة، لكنهم يختارون الصمت؟!!.. وكم من الصفحات تُباع مقابل حفنة الإعجابات، بينما تُشترى المواقف بأرواح الأبرياء؟!

صحيح، قد يكون برج المراقبة الفرنسي قد فقد موظفاً، لكن الإنسانية قد ربحت صوتاً حراً.. وربما في المرة القادمة التي تحلّق فيها طائرة "إل عال" سيُسمع صوت آخر في السماء يقول: "فلسطين حرة".. فهل سيُوقفون السماء أيضاً؟!!..

هذا الموظف ربما تكون وظيفته قد طارت، لكن كرامته لم تهبط، وإنسانيته لم تُعلَّق.. فبينما أُغلق عليه باب العمل، فقد فُتحت له نوافذ القلوب في كل أنحاء العالم.. وكلماته لم تُحبس في برج المراقبة، بل انطلقت كصوت حرّ يحلّق فوق الطائرات، ويخترق كل الأجواء: بـ "فلسطين حرة"..

ومن يدري؟!! ربما كانت تلك العبارة أقوى من كل أبراج الاتصالات، وأبلغ من كل بيانات الدبلوماسيين.. فهل يحتاج الإنسان إلى جناحين كي يحلّق؟، أم يكفيه ضمير حيً وصوت يقول الحقيقة... ولو عبر اللاسلكي؟!.. 

وفي النهاية يبقى السؤال الأغرب: هل باتت كلمة "حرية" تُعتبر مخالفة مهنية؟، أم أن برج المراقبة أصبح أكثر إنسانيةً من بعض أبراج الإعلام؟!!
___
*مستشار وزارة الشباب والرياضة

اضف تعليقك على المقال