الكاتب: عمر الحار
ثمة شواهد عديدة بزغت من ظلمات الازمة اليمنية الحالكة ، التي اشتد سوادها بمرور العقد الاول من عمرها ، ودخلت وطأتها الثقيلة على كل بيت يمني ، دافعة الجوع الى الحناجر ، ايذانا لاستحقاقها المجاعة القاتلة . على حجم تراجع نسبة المخاوف منها دون سابق انذار مؤخرا ، موحية بالدخول في مرحلة اخرى من الغياب المحلوظ على لسان قادة الشرعية اليمنية و اعلامها ، بعد تحقيقها لانتصارات متعددة في معركة الاصلاحات الاقتصادية على اكثر من جبهة ، والفوز بالنجاح في تحسين قيمة العملة الوطنية ، و اطلاق برامج تصفية قنواتها الايرادية ، المعيدة دورها في الحياة المالية للدولة ، بغية انقاذها من الانهيارات المناهلة عليها في الوقت المناسب .
و مايبعث على الاطمئنان بمضي هذه الاصلاحات الجوهرية الى الامام هو اماطة امريكا اللثام قليلا على الوقوف خلفها ، مما يجعل الغوص فيها ، وقراءتها من الامور الممكنة ، و القابلة لوضعها في النصاب الصحيح ، بعيدا عن عنتريات الاماني ، غير المجدية في السياسة الخاضعة لفيزياء الحركة و الحساب الدقيق . على الرغم من بروز إشارة سياسية امريكية جديدة لافتة في تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط ، ذات الصلة الوثيقة بدوائر القرار في المملكة العربية السعودية .
الصادر ، بلغة إعلامية راقية ومضامين موجهة و دقيقة ، ان لم يذكر مصادره الأمريكية صراحة ، لكنه حمل بين سطوره دلالات سياسية لا تخطئها العين ، مؤكداً أن واشنطن جددت ثقتها في فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي ، الشخصية السياسية التي فرضت حضورها بثقلها الوطني و المعروفة بغزرها العلمي العميق المشبع بتجربة سياسية وقيادية طويلة وسجل مهني ناجح ، لمستوى لم يبلغها كثير من قيادات الدولة في شمال اليمن وجنوبه منذ فجر الثورة.
اللافت في مضمون التقرير ليس فقط التأكيد على الدعم الأمريكي ، بل التوقيت والرسائل الضمنية التي حملها ، في واحدة من أكثر مراحل اليمن حساسية ، وتبدو كمؤشر صريح على مساندة دولية واضحة ، لا مبطنة ، لتوجهات العليمي الإصلاحية ، لاسيما في الجانب الاقتصادي الذي طالما عانى من الجمود والانكماش لعقد كامل من الأزمة .
ويكشف التقرير عن دعم أمريكي مباشر للقرار الأخير بتكليف دولة الرئيس سالم بن بريك برئاسة الحكومة ، بوصفه رجل دولة يحمل خبرة فريدة في الإدارة والمالية و الاقتصاد ، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بداية جادة لإعادة ترتيب "بيت الشرعية"، وتعزيز قدرتها على إدارة الأزمة بفعالية ، والانتقال من حالة التوازنات الهشة إلى ممارسة دور قيادي حقيقي فيها .
ويمكن قراءة التقرير أيضاً كرسالة تطمين وإسناد ، تفتح المجال أمام تحرير القرار الاقتصادي من العوائق المزمنة ، بما يفسح الطريق لانطلاق حزمة من الإصلاحات الحيوية التي طال انتظارها ، وسط أوضاع إنسانية واقتصادية تزداد تدهوراً . فاليمن ، بات بحاجة ماسة إلى لحظة مفصلية تفتح فيها ابواب الخلاص ، وتعيد للدولة اعتبارها وقدرتها على الفعل و التأثير .
و يبرز العليمي كرقم صعب في المعادلة ، مدعوماً بثقة دولية جاءت اشارتها من قلب عاصمتي القرار الدولي واشنطن والعربي الرياض ، تجديدا لرهانٍ دوليٍ جديدٍ يستند الى كفاءة هذا القائد ، و طاقاته القيادية المتنوعة القادرة على إخراج اليمن من عنق زجاجة ازمتها المتشابكة على اكثر من صعيد .
ويمكن تطويع القراءة في مستجدات الموقف الامريكي الجديد من قيادة الشرعية ودعمها الملحوظ لجناحيها الرئاسي والحكومي ، في اطار اعادة واشنطن لتموضعها من الازمة ، والميل لتحقيق التوازن الغائب فيها منذ اندلاعها ، لغرض معلوم في نفسها لحين اطلاق البوادر الاولية المناسبة لتقليص فجوتها الى الحدود الميسرة لعملية تجاوزها و الشروع في حلها .
اضف تعليقك على المقال