يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الظُّلم - أبشع ما اقترفته البشرية في حق نفسها

أشرف محمدين

 

الكاتب: أشرف محمدين 

الظلم، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها وجعًا لا يُرى، ودموعًا لا تُسمع، هو أحد أكثر السلوكيات الإنسانية قسوة وخرقًا لفطرة الرحمة والعدل. إن الظلم لا يحتاج إلى سيفٍ ولا سلطة، يكفي أن تكون يدك أعلى من يد غيرك، أو أن تملك كلمة تُقصي بها، أو صمتًا يُقصي أكثر.
الظلم الاجتماعي هو الوجه الحقيقي للخذلان، حين يتحوّل القريب إلى مؤذٍ، والحبيب إلى مصدرٍ للألم، والبيت إلى مسرحٍ للخوف الصامت.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله
“الظلم ثلاثة أنواع: ظلم لا يغفره الله، وهو الشرك؛ وظلم لا يتركه الله، وهو ظلم العباد بعضهم لبعض؛ وظلم يغفره الله إن شاء، وهو ظلم العبد نفسه.”
ويكفي أن نعلم أن ظلم العباد لا يُترك، لأنه جُرحٌ في نفس، وكسرٌ في قلب، وخيبة لا تُرمم بسهولة.
حين يأتي الظلم من أقرب الناس
أقسى أنواع الظلم ليس الذي يأتي من الغريب، بل من ذاك الذي وثقت فيه، من يدٍ أمسكت بك يومًا ثم أفلتتك عند أول تعثّر. حين يظلمك من أحببته، من احتميت به، من ظننته لك لا عليك.
    الزوج الذي يهين زوجته بالكلمة أو بالإهمال، وهو يعلم أن روحها متعلقة به.. ظالم.
الزوجة التي تحتقر زوجها حين يعجز، وتطعن رجولته حين يضعف ظالمة.
    الأب الذي يفرّق بين أبنائه، أو لا يرى مشاعرهم ولا يسمع حاجاتهم ظالم.
    الأم التي تمارس الابتزاز العاطفي أو تقسو باسم الخوف والحماية ظالمة دون أن تدري
    الصديق الذي يخون سرك، أو ينسحب وقت الشدّة، أو يطعنك باسم “المصلحة”.. ظالم بثوب حميم.
ظلم القلوب - حين نصبح عبئًا على من نحب
ظلم القلوب هو الأخطر، لأنه لا يُرى ولا يُحاسَب عليه في المحاكم، لكنه يحفر في الروح.
أن تحب شخصًا ولا يحبك بنفس النقاء… أن تُعطي دومًا دون أن تُطلب… أن تنتظر دعمًا فلا يأتي… أن تتحمّل وتتسامح وتُفاجأ بالجفاء بدل الامتنان… كل هذه أشكال من الظلم تُرهق الروح وتترك أثرًا لا يُمحى.
ابن القيم كتب عن هذا النوع من الظلم حين قال:
“ما من قلب يُظلم إلا ويفقد شيئًا من نورِه.”
وكأن الروح تُطفأ شيئًا فشيئًا حين تتعرّض للخذلان المتكرر، للظلم العاطفي، للإهمال، ولعدم التقدير.
ظلم النفس - العدو الذي يسكننا
أحيانًا نكون نحن الظالمين لأنفسنا.
نُجبر أرواحنا على البقاء في أماكن لا تليق بنا… نكتم الحزن حتى يفسد داخلنا… نعفو عن من لا يستحق، ونلوم أنفسنا حين نتألم… نُقنع قلوبنا أن التحمّل بطولة، بينما البطولة الحقيقية أن نقول “كفى”.
يقول ابن القيم:
“من أعظم الظلم: ظلم النفس، حين ترضى بالدون، وهي خُلقت لِما هو أكرم.”
فلا تظلمن نفسك بالسكوت، ولا بالخضوع لمشاعر تؤذيك، ولا بالبقاء مع من لا يراك.
أنواع الظلم في تفاصيلنا اليومية
    أن تضحك على تعب شخص ولا تعلم ما مرّ به… ظلم.
    أن تقطع صداقة صادقة بلا سبب ولا كلمة وداع… ظلم.
    أن ترى الآخر في حاجة وتُدير ظهرك… ظلم.
    أن ترفض الاعتذار حين تؤذي… ظلم.
    أن تتحدث عن أحد في غيابه بما تكره أن يُقال عنك… ظلم.
الظلم لا يحتاج إلى نوايا سيئة دائمًا، أحيانًا يكفي الإهمال، أو الأنانية، أو الصمت في موضع الكلام، أو الكلام في موضع الصمت.
ظلم في العمل - حين يصبح الرزق ممزوجًا بالمهانة
العمل ليس فقط مصدر رزق، بل هو مساحة كبيرة من حياة الإنسان، يقضي فيها ساعات عمره، ويبذل فيها جهده وطاقته وكرامته. لكن، حين يتحوّل العمل إلى بيئة للظلم، يصبح الرزق ثقيلًا، ويصبح الصباح مريرًا، وتتحوّل الإنجازات إلى وجع صامت.
الظلم في العمل لا يعني فقط خصمًا ظالمًا أو ترقية مسروقة، بل يشمل التجاهل المتعمّد، والإهانة المغلّفة، وتحميل المسؤولية للطرف الأضعف، واستغلال الطيبة باسم “الالتزام”.
    حين يُمنح المجتهد أقلّ مما يستحق… هذا ظلم.
    حين يُمدح المتسلّق ويُهمّش الصادق… هذا ظلم.
    حين تُقابل الأمانة بالضغط، والتفاني بالإجهاد، والاحترام بالتحكّم… هذا ظلم يتراكم على النفس حتى يطفئها.

والمُؤلم في ظلم بيئة العمل أنه لا يُقال، لأن الخوف على لقمة العيش يُلجم الألسنة، ويحوّل الإنسان إلى آلة تُنتج وتصمت.
لكن الله لا ينسى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ولو سُرق جهده أمام عينيه.

ابن القيم يقول:
“ما من مخلوق يظلم عبدًا إلا انتقم الله منه، إن عاجلًا أو آجلًا، حتى يَرضى المظلوم.”
فالإنصاف ليس تفضّلًا، بل حق، والاحترام في بيئة العمل ليس رفاهية، بل واجب.
كيف ننجو من دَور الظالم؟
أول الطريق أن نراجع أنفسنا. لا أحد معصوم من الخطأ، ولكن من يسير بنية طيبة، ويُحاسب نفسه، ويتواضع في تقييم سلوكه، هو وحده من يستطيع أن ينقذ قلبه من أن يكون سببًا في ألم الآخر
“إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك.”
فهل دعوتك قدرتك يومًا لأن ترد بحدّة؟ أن ترفض احتواء؟ أن تنتصر لكبريائك؟ راجع نفسك، واسأل قلبك: هل كنت منصفًا؟
ختامًا - كن عدلًا في عالمٍ يظلم كثيرًا
في زمنٍ تزداد فيه القلوب قسوة، وتصغر فيه المسافات لكن تتباعد الأرواح، لا نملك إلا أن نُتمسّك بالعدل بيننا. أن نكون نورًا صغيرًا في بيتٍ مظلم… دفئًا في علاقة باردة… منصفين ولو على حساب راحتنا.
فالظالم مهما برّر لنفسه، سيواجه الحقيقة يومًا، والإنصاف لا يحتاج شهادة محكمة، بل يكفي أن تنام مرتاح الضمير.

اضف تعليقك على المقال