يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه - نداء الضمير في زمن الضجيج

أشرف محمدين

الكاتب: أشرف محمدين 

في عالمٍ يزداد فيه الضجيج وتتعدد فيه الأصوات، تتوه البوصلة بين الحق والباطل، وتبهت الملامح بين الصدق والتزييف. قد تمرّ بلحظات تشعر فيها بالغربة، لا لأنك مخطئ، بل لأنك صادق. لأنك رفضت المساومة على مبادئك، وأصررت أن تسير في درب لا يزدحم بالناس.
في تلك اللحظات، يتردد في قلبك صوت حكيم خالد، للإمام علي بن أبي طالب، كأنّه البلسم لجراح الوحدة:
لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه 
ليست كلمات بلاغية، بل دستور حياة، وهديٌ للمستقيمين في زمن الملتوي، وللأنقياء في زمن الرمادي
أولًا: طريق الحق ليس مزدحمًا - لكنه مضيء
الحق دائمًا كان طريق القلة.
فأصحاب المبادئ لا يملأون المجالس، ولا تتصدر صورهم الشاشات.
هم الذين يعملون بصمت، ويقولون “لا” حين تغريهم “نعم”،
هم الذين يختارون النزاهة، رغم أن الطرق المختصرة كثيرة ومفتوحة
في عالم اليوم، حيث تنتشر العبارات من قبيل:
    •    “امشي مع الموج”،
    •    “خليك مرن”،
    •    “الدنيا كده”،
يصبح التمسك بالحق عملاً بطوليًا وإن كان غير مرئي
ثانيًا: الشباب بين نداء القلب وضجيج العصر
شباب اليوم لا يعيشون فقط صراعًا بين الحق والباطل، بل بين الوضوح والتشويش.
وسائل التواصل الاجتماعي تصوغ لهم قيمًا جديدة:
الشهرة قبل القيمة،
الصوت العالي قبل الفكرة،
المظهر قبل الجوهر.
يُطلب منهم أن ينجحوا بأي وسيلة، أن يلمعوا حتى لو انطفأ الداخل، أن يسايروا الجميع حتى لو خسروا أنفسهم
لكن رغم ذلك، ما زال في الشباب من يبحث عن طريق مختلف… طريق لا يرفعهم للسماء لكنه يرفع أعينهم عن الأرض
كثير من الشباب اليوم يشعرون بأنهم “غرباء” في محيطهم لأنهم يرفضون الغش، أو التملق، أو الكذب في العمل، أو الخيانة في العلاقات.
يشعرون أنهم “مش على الموجة”.
ولأولئك نقول: أنتم لستم أقلية هامشية… بل أنتم النور في هذا العصر الرمادي
ثالثًا: المعركة الداخلية… أن تكون صادقًا رغم العواقب
التمسك بالحق لا يعني فقط الوقوف أمام الظلم، بل يعني أحيانًا:
    •    أن تقول “لا” في وقت لا يقولها أحد.
    •    أن تعتذر بصدق بدلًا من التبرير الكاذب.
    •    أن ترفض رشوة ولو كانت مغلفة بلغة “هدية”.
    •    أن تكتفي بحقك ولا تطمع فيما ليس لك.
    •    أن تعمل بإتقان حتى حين لا يراك أحد.
تلك معارك صغيرة يومية، لكنها تصنع روحًا عظيمة.
الذين اختاروا الحق لم يُمنحوا حصانة من التعب، لكنهم حازوا راحة الضمير، وهذا ثمن لا يُقارن
رابعًا: لا تغتر بالكثرة ولا تستوحش من القلة
قد تنظر حولك، فتجد الأكثرية قد باعوا القيم مقابل مكاسب وقتية:
    •    صاحب العمل الذي يفضل “المطبلين” على المجتهدين،
    •    الفتاة التي ترى أن التنازل عن الاحترام أسهل طريق للعلاقة،
    •    الشاب الذي يختصر طموحه في “ترند لحظي”،
    •    الطالب الذي ينجح بالغش، ويُحتفى به أكثر من المجتهد
ولكن، دعنا نواجه الحقيقة:
الحق ليس “موضة” ولن يكون.
هو ثابت لا يتغير بتغير الأزمنة.
لذا فإن قلة سالكيه ليست مقياسًا لصحته، بل هي دليل على صعوبته وندرة سالكيه
خامسًا: كيف نعيد هيبة الطريق؟
الأمر لا يتوقف عند الفرد، بل يمتد للمجتمع.
حين نُعلّم أبناءنا أن النجاح لا يُقاس فقط بالمال أو الظهور، بل بالرضا الداخلي،
حين تحتفي المدارس بالضمير قبل الدرجات،
وحين تعود البيوت إلى حديث “الصح والغلط” بدل “الظاهر والمظهر”
حينها فقط نعيد الهيبة لطريق الحق.
وللشباب دور محوري: أن يكونوا القدوة، لا المقلدين،
أن يُصِرّوا على أن يُنجزوا دون أن يتنازلوا،
وأن يُظهروا أن النجاح لا يحتاج إلى كذب، ولا إلى انحناء
و في النهاية - لا تخف من الوحدة و - الله معك
قالها عليٌّ بن أبي طالب منذ قرون، لكنها اليوم تُقال لك شخصيًا:
لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه
قد تتألم من الوحدة،
قد يُساء فهمك،
قد تخسر بعض الأشخاص…
لكن ثق أن الله لا يُضيع من اختار وجهه، وسلك طريقًا فيه رضا ولو قلّ سالكوه.
الحق في هذا الزمن هو الثورة الحقيقية
فكن ثائرًا بصمتك، بنقائك، بصلابتك - وامضي في طريق الحق

اضف تعليقك على المقال