الكاتب : عادل الشجاع
في كل لحظة تأزم أو تحول، كثيرا ما يسمع في الأوساط اليمنية صوت يردد: “لا يوجد قائد يوحد الصف، لا توجد قيادة ملهمة تقود التغيير” هذه العبارة تكاد تتحول إلى لازمة وطنية تعبر عن حالة من الحنين إلى شخصية كاريزمية جامعة، أو ربما تعكس عجزا جمعيا عن إنتاج نموذج قيادي مستقر وموثوق، لكن المفارقة أن اليمنيين، حين تتاح لهم فرصة تنظيم أنفسهم أو المضي في مشروع جماعي، كثيرًا ما يميلون إلى أن يكونوا جميعًا قادة، مما يخلق نوعا من التزاحم غير المنتج ويعطل مسار العمل الفعال..
القائد الغائب… هل هو مبرر أم عرض لمشكلة أعمق؟
غياب القائد في السياق اليمني ليس أمرا عرضيا، بل ناتج عن بنية اجتماعية – قبلية وثقافية – لا تزال تعاني من ضعف في ترسيخ فكرة العمل المؤسساتي والتفويض الجماعي ومن جهة، هناك حساسية من تفويض السلطة لشخص واحد خوفًا من إعادة إنتاج الاستبداد، ومن جهة أخرى، هناك افتقار للثقة بين الفاعلين تجعل من التعاون تحديا شاقا، وهكذا يبقى “القائد” الغائب هو الحاضر في الخطاب، لكنه الغائب حين تتاح الفرص الفعلية للعمل..
عندما يريد الجميع أن يكون قائدا
ما يفاقم المعضلة أن كثيرا من الفاعلين – سواء في الحركات السياسية أو المبادرات المجتمعية – يسعون إلى الإمساك بزمام التوجيه، في الوقت نفسه الذي يفتقرون فيه إلى روح الفريق والقبول بتقاسم الأدوار، هذا الميل الجماعي نحو القيادة، دون رؤية تنظيمية أو هدف مشترك، يخلق ما يشبه “فوضى نخب” تتنافس ولا تتكامل، وتجهض كل بذرة مشروع تغييري بمجرد أن تبدأ..
النتائج: شلل الفعل التغييري
هذه الظاهرة تفرز واقعًا مثقلًا بالخيبات: مشاريع تبدأ بحماس ثم تتفكك سريعًا، تحالفات لا تعمر، وشعور متزايد باللاجدوى، كما أن غياب ثقافة القيادة التشاركية يجعل من بناء المؤسسات أو الحركات الاجتماعية المستدامة أمرا صعبًا، حيث تهيمن الشخصنة على التنظيم، ويضيع الهدف بين صراع الأدوار..
نحو تجاوز المعضلة
تجاوز هذه الحالة لا يكون فقط بالبحث عن “قائد ملهم”، بل بترسيخ ثقافة المسؤولية المشتركة، وخلق بيئة تسمح ببروز قيادة جماعية مرنة فاليمن لا يحتاج إلى بطل فردي بقدر ما يحتاج إلى عقل جمعي منظم، قادر على قبول التعدد، واحترام التخصص، وممارسة العمل ضمن إطار مؤسسي شفاف..
الخلاصة:
المشكلة ليست فقط في غياب القائد، بل في غياب القدرة على صناعة القادة الحقيقيين، وتقبل وجودهم، والعمل معهم كفريق، ما لم يتجاوز اليمنيون هذه الحلقة المفرغة من الحنين إلى القائد من جهة، والرغبة في قيادة الكل من جهة أخرى، فإن التغيير سيظل حلما مؤجلا، معلقًا بين الواقع والرجاء..
*من صفحة الكاتب لمواقع التواصل
اضف تعليقك على المقال