يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

التوبة - عودة القلب المكسور إلى حضن الله

أشرف محمدين

 

الكانب : أشرف محمدين

ما أثقلها من لحظة حين يجلس الإنسان مع نفسه، ويستعرض ماضيه، فيجد ظلامًا تراكم، وذنوبًا تراكمت، ولحظات ضعفٍ لم تُنسَ، وخطوات بعيدة عن الله تراكمت حتى صار لا يرى النور. لكن… من قال إن الله يُغلق بابه؟ من قال إن الطريق قد انقطع؟ من قال إن القلب الذي أخطأ لا يُقبل إذا عاد؟
التوبة ليست فقط تخلّيًا عن ذنب، بل هي رجوع روح تاهت ثم وجدت طريقها. هي دمعة نزلت من عين مذنب، لكنها وصلت إلى السماء. هي انكسار قلب، لكنه أعزّ ما يكون عند الله.
التوبة ميلاد جديد للروح، وكسرة الكبرياء أمام عظمة الغفار. هي لحظة صفاء، تذوب فيها الذنوب كما تذوب الثلوج في حر الشمس. لحظة تطهير تغسل القلوب من أدرانها، والعيون من غفلتها، والأرواح من أوجاعها.
الله لا ينتظر منا الكمال، بل ينتظر منا الصدق… لحظة صدق. لحظة نقول فيها من أعماق القلب: “بلى يا رب… قد آن.” آن أن أعود، آن أن أُطهّر قلبي، آن أن أخلع عنّي رداء الغفلة، وألبس ثوب القرب.
الذنوب لا تُطفئ نورك، ما دمت صادقًا في طلب الغفران. مهما أغلقت الأبواب في وجهك، هناك باب واحد لا يُغلق أبدًا - باب التوبة.
ويا لكرم هذا الباب لا يحتاج إلى مفتاح، ولا شفاعة، ولا طقوس طويلة… فقط قلبٌ منكسِر، ودمعة حقيقية، ونَفَس يقول: “يا رب، سامحني.” 
يا من أرهقك الذنب، وأتعبك البُعد، وأطفأ الأمل في عينيك… أتعلم أن الله يفرح بتوبتك؟ نعم، يفرح، وتكاد السماوات ترتجّ إذا قلت بصدق: “اللهم اغفر لي.”
مَن مِنّا بلا ذنب؟ من منّا لم يخطئ ويقصر ويتهاون؟ ولكن… رحمة الله وسعت كل شيء، وسعت ماضينا، وسعت خبايانا، وسعت ضعفنا، وسعت ألمنا واحتراقنا.
تذكر أنك لا تطرق بابًا مغلقًا، بل بابًا فتحه الله لعباده التائبين، وقال: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.”
إن الله لا يطلب منا معجزة، بل لحظة واحدة من صدق الرجوع. لحظة تقول فيها: “يا رب، لم أعد أحتمل هذا البُعد… قربني.”
لحظة تصلي فيها صلاة التوبة، وتسجد سجدة لا تُريد أن تقوم منها، وتشعر أن التراب أحنّ لك من دنياك.
نحن لا نرجع إلى الله لأننا كاملون، بل لأننا ضعفاء… تعبنا من أنفسنا، وسئمنا ضياعنا.
كم من قلبٍ احترق تحت وطأة الذنب، لكنه ما إن نطق بالاستغفار حتى أطفأ الله ناره، وبدّل حاله، وسكّن روحه… لأن الله يعلم ما في الصدور.
تخيل… لو كان الذنب أكبر من رحمة الله، ما تاب الفضيل، ولا الحسن البصري، ولا ملايين من العائدين. لكن الله الذي وسعت رحمته كل شيء، وسعتهم.
فلا تيأس لا تقل “فات الأوان”، لأن الله لا يُغلق بابه في وجه من طرقه بقلبٍ منكسر.
اللهم كما هديت الفضيل في لحظة، فاهدنا… وافتح لنا باب التوبة، وانزع من قلوبنا حب المعصية، وازرع فيها حب القرب منك.
اللهم لا تجعلنا من الغافلين… ولا من المؤجلين… ولا من الخاسرين.
اللهم اجعلنا من الراجعين إليك قبل فوات الأوان، ومن المطمئنين بقربك، والمستأنسين بذكرك، والمستغفرين إذا أذنبنا، والتائبين إذا أخطأنا، والمقبولين عندك في الدنيا والآخرة.
لا تظن أن لحظة توبة صغيرة لا تُغير شيئًا… فهي عند الله قد تفتح لك أبوابًا ما كنت تحلم بها. وقد تُنجيك من بلاءٍ قادم، أو ترفعك مقامًا في الجنة لم تكن تتوقعه.

عودتك لله ليست خيبة، بل بداية - بداية جديدة بنَفَسٍ أنقى وروحٍ أنظف وطريقٍ أشرف. التوبة ليست دمعة فقط بل عهدٌ جديد بينك وبين الله: ألا أعود، إلا إليك.

اضف تعليقك على المقال