الكاتب : أشرف محمدين
في حياة البشر، لا تُعرف حقيقة العلاقات في أوقات الفرح، ولا تُقاس قوتها بلحظات التفاهم، بل تُختبر في مواسم الخلاف، حين تتعالى الأصوات أو تتباين وجهات النظر، وتُمسّ الكبرياءات، ويتمايل ميزان الصبر والتقدير.
الخلاف، في جوهره، ليس شرًّا. هو “مرآة” تعكس عمق المحبة أو سطحيتها، نضج العاطفة أو نزقها، أصالة العلاقة أو تصنّعها. وقديمًا قالوا:
“الأزمات تصنع الأبطال، والخلافات تكشف القلوب.”
خلاف يكشف لا يفسد
كم من علاقة طُليت بماء الذهب، حتى ظنناها لا تشوبها شائبة، ثم انهارت من أول خلاف!
وكم من علاقة بسيطة، متينة من الداخل، خرجت من الخلاف أقوى، لأن فيها صدقًا وأمانًا لا تهزهما رياح الغضب.
فليس الخلاف هو من يفسد العلاقات، بل طريقة إدارتنا له.
الخلاف الذي يُخيف، ليس في حد ذاته، بل في نتائجه: في الكلمة التي تُقال في لحظة انفعال، ولا تُنسى.
في نظرة ازدراء تكسر احترامًا، أو في تهديدٍ يهدم أمانًا.
الأمان وقت الخلاف هو المعيار
ما أصعب أن تمرّ بلحظة اختلاف مع من تحب، فتشعر أنك لم تعد آمنًا معه، أن كلماتك قد تُستخدم ضدك، أو أن مشاعرك باتت عبئًا.
الاختبار الحقيقي للعلاقة ليس في ساعات المودة، بل في ساعة الخلاف:
هل يحفظك؟
هل يرفق بك؟
هل يضبط انفعاله حتى لا يكسر ما بينكما من ودّ؟
من هنا، نعرف الفرق بين “خلاف الناضجين”، و”خلاف المؤذيين”.
بين من يختلف معك ليصل إلى حل، ومن يختلف ليسحقك تحت أقدام “الأنا”.
الزواج… والمساحة الحقيقية للامتحان
في العلاقات الزوجية، الخلافات أمر حتمي. بل إنها ضرورية إن أردنا أن نفهم بعضنا بعمق.
لكن الفارق الجوهري، هو كيف يُدار الخلاف؟ هل نحتفظ باحترامنا أثناءه؟ هل يظل كل طرف يَذكر أن أمامه روحًا أحبها يومًا، ويجب ألا يجرحها حتى لو غضب؟
الزوج أو الزوجة الذي يُحسن جبر الخاطر ساعة الخصام، هو من يستحق أن نكمل معه الطريق.
فالبيوت لا تُهدَّم بالخلاف… بل تُهدَّم حين ننسى الحب أثناءه.
العلاقات الحقيقية لا تنهار بخلاف… بل تتقوّى
هناك علاقات كثيرة تنكسر من أول كلمة جارحة، وأخرى تُجبر بعد كل عثرة، لأنها قائمة على الصدق، والرحمة، والتفاهم.
فالخلافات ليست نهاية المطاف، بل قد تكون بداية لنضج جديد… بداية لفهمٍ أعمق، وعهد أقوى.
ليس من يحبك هو من يتفق معك دائمًا، بل من يختلف معك ولا يُشعرك يومًا بأنك وحيد.
الخلافات كفرصة… لا ككارثة
الخلافات إن أُحسن التعامل معها، يمكن أن تكون وقودًا لنمو العلاقة. فرصة لفهم طباع الآخر، لاختبار الصبر، لتعلّم فن الإصغاء والاعتذار.
يمكن للخلاف أن يكون “خطوة للأمام”، لا “سقطة للخلف”، إذا كانت العلاقة أصيلة، والأرواح صادقة.
لكن حين تكون العلاقة هشّة، أي خلاف يكشفها.
تمامًا كما لا تقاوم الورقة نارًا، تنهار العلاقات الزائفة في أول اختبار.
والأخطر: الخوف من الخلاف
بعض العلاقات تُصاب بمرض الصمت المسموم: لا خلاف ولا نقاش… فقط تجنّب.
وذلك أخطر بكثير من الخلاف نفسه.
لأن غياب الخلاف قد يعني غياب الشغف، أو غياب الصدق.
فالاختلاف يدل على حياة… على وجود… على محاولة للتقارب.
و في النهاية .. حين يختبر الخلاف صدق المودة
الخلافات تمتحن صدق العلاقات…
فإما أن تنكشف الأقنعة، وتنتهي الأمور بألمٍ كان لا بد أن يقع،
وإما أن تُصبح نقطة تحوّل، تزيد القرب، وتعيد ترتيب الحب بلغة أنضج.
ابحث عن من تأمنه في خلافك،
لا عن من يُضحكك فقط في رضاك.
واعلم أن من يحافظ على كرامتك حين تغضبه،
هو وحده من يستحق أن تُلقي قلبك في حضنه مطمئنًا.
ومن يداري على قلبك في لحظة الانكسار، هو أحق الناس أن يُحتفظ به في أعمق ركنٍ في العمر
اضف تعليقك على المقال