الكاتب : أشرف محمدين
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتتناقص فيه مساحات التواصل الحقيقي، يبقى جبر الخواطر بين الزوجين واحدًا من أرقى مظاهر الودّ والحب، وركنًا متينًا من أركان العلاقات الناجحة. إنه ذلك الفعل البسيط في ظاهره، العظيم في أثره، الذي يرمم النفوس، ويجبر الكسر الخفيّ الذي قد لا تراه العين، لكنه يترك أثرًا بالغًا في القلب.
ما معنى جبر الخواطر؟
جبر الخاطر، كما فهمته الأرواح الراقية قبل الألسنة، هو أن تلتقط الطرف الآخر من هاوية حزنه أو انكساره، دون أن يطلب. أن تقول له: “أنا أشعر بك”، دون أن ينطق. أن تمسح دمعته بكلمة، أو تحتضن ضعفه بدفء حضورك. جبر الخاطر لا يحتاج ثروة ولا منصبًا، بل روحًا رقيقة تشعر، وعقلًا ناضجًا يحتوي، وقلبًا محبًا يمنح بلا مقابل.
في الزواج… هل نحتاج جبر الخواطر؟
نعم، بل هو أحد أهم أركانه، وإن لم يُكتب في وثيقة زواج. الزواج ليس مؤسسة قانونية فقط، بل هو شراكة إنسانية قائمة على الدعم العاطفي والنفسي. حين يتقن أحد الطرفين جبر خاطر شريكه، فإنه في الواقع يبني جسرًا من الأمان والسكينة، يجعل الحياة أكثر احتمالًا، والمصاعب أقل ألمًا.
قد تكون الزوجة مرهقة من مسؤولياتها، تتمنى كلمة “شكرًا” أو نظرة امتنان. وقد يكون الزوج مثقلًا بمتاعب الحياة، فيحتاج إلى جملة بسيطة مثل “أنا فخورة بك”، ليتجدد عطاؤه ويهدأ قلبه. هكذا تُبنى البيوت، لا فقط بالحجارة، بل بجبر الخواطر.
أمثلة بسيطة… لكن عظيمة الأثر
• أن يُحضِر الزوج لزوجته كوب قهوة في منتصف اليوم لأنها متعبة… هذا جبر خاطر.
• أن تفتح الزوجة الباب لزوجها بكلمة طيبة وابتسامة رغم ضغوطها… هذا جبر خاطر.
• أن يعتذر أحدهما إن أخطأ دون عناد… هذا جبر خاطر.
• أن يُنصت أحدهما للآخر حتى النهاية دون مقاطعة… هذا جبر خاطر.
• أن يقول أحدهما للآخر: “أنا ممتن لوجودك”… هذه أعظم خواطر تُجبر.
ما الذي يمنعنا؟
الأنانية، الغرور، والبرود العاطفي. البعض يظن أن الحب وحده يكفي، لكنه يذبل دون رعاية، وجبر الخاطر هو الماء الذي يُحيي المشاعر. العلاقات تموت بالصمت الطويل، بالإهمال المتعمد، بالتجاهل اليومي… وتُبعث من جديد بكلمة صادقة، بلمسة حنونة، بلحظة اهتمام صادق.
لماذا نغفل عنه؟
لأننا نركض خلف الواجبات، وننسى القلوب. نُتقن فن لوم الشريك، وننسى فن لمسه بلطف. نخجل من التعبير، أو نكابر، وكأن الكلمة الطيبة تُنقص من كرامتنا! بينما الحقيقة أن من يُجبر الخواطر هو الأعلى مقامًا، والأكثر إنسانية.
في النهاية… جبر الخواطر عبادة
نعم، هو عبادة قلبية خفية. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”
وجبر الخواطر أعظم أبواب تنفيس الكرب، وأحد مفاتيح دخول القلوب دون استئذان.
⸻
خاتمة:
جبر الخواطر بين الأزواج ليس رفاهية عاطفية، بل ضرورة حياتية تبني، وتُرمم، وتُسعد. فليتنا نُدرّب أنفسنا على هذه اللغة الرقيقة، التي لا تحتاج إلى قاموس… فقط تحتاج قلبًا حيًا ونية صادقة.
ابدأ اليوم… جبرًا لخاطر من تحب، بكلمة، بنظرة، برسالة، بلمسة… وسترى كيف تزهر الحياة بينكما من جديد.
اضف تعليقك على المقال