الكاتب: عبد الرحمن سعيد فارع
مثل حزب الله حالة فريدة في سياق الحركات المسلحة الغير الحكومية ذات التأثيرالأيديولوجي والسياسي وحتى الاستراتيجي العسكري، إذ تمكن من رسم أولى أهدافه بدأ منطموحاته المحلية التي تحولت فيما بعد إلى أدوار إقليمية ودولية.
وإذا كانت أهداف حزب الله تتطور بشكل مستمر، فذلك يعكس مدى قدرته على التكيفوالانصهار في مشاكل منطقة الشرق الأوسط سواء في لبنان ذاتها أو في محيطها الاقليميوالدولي.
فمنذ تأسيس حزب الله برزت أولى دعائمه الأيديولوجية على رصيف النظام الايراني أو وفقولاية الفقيه، وهو المبدأ الذي شكل الإطار الفكري لجميع أنشطته السياسية والعسكريةوالاجتماعية.
وعلى الرغم من التزامه بهذا الإطار، أبدى حزب الله مرونة استراتيجية في توظيف أيديولوجيتهبما يتلاءم مع المتغيرات، فقد حدد أهدافه الأساسية بمقاومة المد الإسرائيلي، وعمل علىتحرير الأراضي اللبنانية التي كان يراها ضمن نفوذه، ما أبرز العقيدة القتالية لحزب الله من جهةوساهم في إعادة هيكلة تنظيمية تقوم على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من جهةأخرى ، والتي ساهمت في ترسيخ حضوره كفاعل أساسي في المشهد اللبناني.
إن إعادة تركيز حزب الله على المستوى الاجتماعي، منح الأخير فرصة استثمار نفوذه في تحقيقدعم شعبي، مما دفعه إلى إنشاء شبكة متكاملة من الخدمات، تتراوح بين التعليم والرعايةالصحية والدعم الاقتصادي. هذه الاستراتيجية لم تكن فقط وسيلة لتعزيز شعبيته بين الطائفةالشيعية وحسب ؛ بل امتدت الى أيضا الى وضع نموذج مغاير لدور الحركات المسلحة التقليديةالتي تقتصر على العمل المسلح.
أما على الصعيد السياسي، فقد اتخذ حزب الله خطوات حاسمة في المشاركة السياسية فيالمشهد السياسي اللبناني. فمنذ مشاركته في الانتخابات البرلمانية اللبنانية عام 1992، أثبتحزب الله مدى قدرته على التحول من مجرد قوة قتالية إلى وجودسياسي يمتلك الشرعيةالشعبية. كما انعكس هذا التحول في دوره داخل الحكومة اللبنانية، حيث بات شريكا في اتخاذالقرارات الوطنية، وهو ما منحه نفوذا أوسع في صياغة السياسات المحلية.
أما على المستوى الإقليمي، لا يمكن فصل حزب الله عن المشهد الجيوسياسي الذي يربطهارتباطًا وثيقًا بالجمهورية الإيرانية الإسلامية. فقد شكل حزب الله ذراعًا تكتيكيا لتنفيذالسياسةالإيرانية في لبنان كشريط إستراتيجي، بدليل دعم إيران للنظام السوري السابق خلالالحرب الأهلية لسنة 1982 و2011 و2012 ، هذا الدور لم يقتصر على الدعم العسكري فقط، بلامتد ليشمل تقديم الاستشارات السياسية واللوجستية، ما عزز من موقعه كقوة إقليمية تتجاوزحدود لبنان.
في السياق الدولي، تعرض حزب الله لانتقادات متزايدة نتيجةدخوله في نزاعات إقليميةوممارسة أنشطة غير مشروعة ، بما في ذلك تهريب الأسلحة وغسيل الأموال. ورغم ذلك، استمرحزب الله في توسيع شبكة تحالفاته، معتمدا على استراتيجية الجمع بين القوة القتالية(العقيدة العسكرية) والعمل الدبلوماسي غير التقليدي.
في الأخير عند النظر إلى استراتيجيات حزب الله، يمكن ملاحظة أنه يتبنى نهجا ديناميكيا يجمعبين التكيف مع الضغوط الدولية والاستفادة من الفرص المحلية. فقد استطاع الحفاظ علىشرعيته بين أتباعه رغم التحديات الداخلية، مستندا إلى خطاب مزدوج يجمع بين المقاومةضد الاحتلال الإسرائيلي والتمسك بخطاب العدالة الاجتماعية.
في ظل هذه المعطيات، يظل حزب الله لاعبا محوريا في صياغة المشهد السياسي اللبنانيوالإقليمي. فبينما تعزز أنشطته العسكرية حضوره كقوة مقاومة، تعمل استراتيجياته الاجتماعيةوالسياسية على ترسيخ نفوذه كفاعل متعدد الأدوار. ومع ذلك، فإن مستقبله يواجه تحدياتكبيرة، ليس فقط بسبب الضغوط الدولية، ولكن أيضًا نتيجة التحولات في التحالفات الإقليميةالتي قد تعيد تشكيل موازين القوى العالمية في المنطقة.
وانتهاء لما سبق ، يمكن القول إن حزب الله قد استطاع في تحويل هويته من حركة مقاومةمحلية إلى قوة إقليمية مؤثرة. لكن ذلك يظل مشروطا بقدرته على التعامل مع المتغيراتالدولية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، خاصة بعد فقدان قادته وتراجعهعلىمستوى شريط حدود سوريا الذي كان بالأمس محور مقاومة...قبل سقوط النظام السوري.
اضف تعليقك على المقال