الكاتب : عماد الدين الغزالي
تتواصل الأزمات في العالم العربي، حيث يتشارك الحكام في أهداف شخصية تحول دولهم ومقدراتها إلى ملكيات خاصة.
هذا الوضع يفتح المجال لدول أخرى لاستغلالهم وابتزازهم، عبر تسليم أجزاء من سيادة وثروات البلاد، بما في ذلك الثروات البحرية والنفطية، لتصبح تحت سيطرة قوى خارجية مثل بريطانيا وروسيا وأمريكا وإسرائيل، بالإضافة إلى أدواتها الإقليمية كالإمارات والسعودية وإيران.
تظهر ديناميكية الطغاة العرب بوضوح، حيث يبدأون حكمهم بوعود وردية عن الإصلاح والحرية، لكن مع مرور السنوات، يتراجعون عن تلك الوعود، ليحل البطش محل الكلمات الطيبة.
هذه الديناميكية تدفعهم إلى مواجهة الغضب الشعبي، مما يقودهم إلى سياسات الاعتقالات والتنكيل، في الوقت الذي يعيش فيه المواطن العادي في فقر مدقع، غافلاً عن الثروات الوطنية التي يمكن أن تُحدث تغييرًا كبيرًا في حياته.
في سوريا، تمكن حافظ الأسد وابنه بشار من شخصنة الدولة لصالح عائلتهما على مدى نصف قرن، مما أبرز جوانب الطغيان وجعلهما في نظر الموالين ملوكًا لا يُقهرون.
هذا الطغيان، الذي ارتبط بالانتماء الشيعي العلوي، جعل من بشار وحافظ رموزًا للجبروت، بينما عانى الشعب من أبشع صور القمع.
ومع ذلك، لا يدرك الطغاة العرب أن نهايتهم ليست فقط حتمية، بل ستكون مأساوية.
فهم يرتكبون نفس الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم، سواء الذين تم التخلص منهم أو من أولئك الطغاة الذين جرى خلعهم كبشار الأسد، وبن علي، وسجنهم كحسني مبارك، قبل قدوم السيسي، وغيرهم.
تجارب التاريخ، من نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا إلى القذافي وعلي صالح، تؤكد أن الطغاة لا ينجون من العقاب، حتى وإن أفلت بعضهم، فإنهم يتركون بلدانهم في فوضى عارمة.
مصائر الطغاة الحاليين، كعبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، لن تختلف كثيرًا عن مصائر من سبقوهم. لقد كتبوا نهايتهم بأيديهم، وأصبحوا مكروهين في عيون شعوبهم.
تعيش المنطقة العربية مرحلة حاسمة، حيث تتجلى معركة مصيرية تُخاض على جبهات متعددة.
هذه المعركة ليست مجرد صراع سياسي عابر، بل تمثل مواجهة حقيقية بين القانون واللاقانون، والانتخابات والملكية، والمحاسبة والإفلات من العقاب.
الأزمات الراهنة ليست نتاج الثورات التي أطلقها الربيع العربي، كما يحاول خصوم هذه الثورات تصويره، بل هي نتاج مباشر لانقلابيين وقادة ثورات مضادة تآمروا على الانتقال الديمقراطي، خوفًا من أن يستعيد الشعب زمام أموره.
تتضح الصورة في تكتل خصوم الثورة، الذين نجحوا في إجهاض آمال الشعوب، ودفعها نحو عهود جديدة تعصف بها الصراعات والحروب الأهلية.
تهيمن على هذه الأوضاع عصابات مسلحة تحتكر الحكم والمال والسلاح، بينما يغيب أي صوت للحياد.
الخيار أمام الناس صار إما دعم هذه العصابات أو مواجهة الاعتقال أو المنفى أو حتى الموت.
تبرز الحاجة الملحة لمراجعة مسيرة الربيع العربي، لا للتراجع عنها، بل لاستخلاص الدروس والعبر.
التراجع يعني إعلان الندم على مقاومة الطغيان، وهو أمر لا يمكن لأي إنسان حر أن يفعله.
في الدول التي أُفشِّلت فيها الثورات، كاليمن، شهدت صراعات طائفية وسياسية قادت علي صالح إلى دوامة من الفوضى، حتى انتهى به المطاف مقتولًا على يد حليفه الحوثي، تعكس هذه اللحظة تراجيديا السياسة اليمنية وكيف انقلب حلفاء الأمس ضد بعضهم.
يبدو أن الطغاة لم يتعلموا شيئًا من التاريخ، حيث سقط أسلافهم وداستهم الشعوب بأقدامها.
كما أُسقط الحوثيون الأئمة في ثورة 26 سبتمبر، فإن الطغاة الحاليين أيضًا لن يكونوا بمنأى عن المصير ذاته.
هذه هي طبيعة الحياة، حيث تظل الشعوب قادرة على استعادة حقوقها وإسقاط الظلم، لتؤكد على حقها في الحرية والكرامة.
اضف تعليقك على المقال