ارسال بالايميل :
5723
الكاتب : شعيب الأحمدي
في فلسفة النفس البشرية، هناك غريزة السعي في دورب البقاء على قيد الحياة، لا يمكن أن تجد إنسانًا يريد الموت والبحث عنه إلا في حالة واحدة فقدان لذة الإيمان والأمل في الأقدار السماوية، هذه الغريزة تسعى دائمًا للبحث عن النجاة من كل العواصف والمنعطفات الخطيرة، يخالط النفس البشرية البحث عن النجاة الجماعي بالمساعدات الممكنة لتخلص من الغرق المميت فقرًا وحربًا، هذا في نظرية التقمص الوجدانيّ يعد من أنواع التكافل والغرائز الذاتية في الإنسان.
بينما تشهد مدينة تعز مجاعة إنسانية جراء تدهور العملة المحلية، وتفاقم أسعار السلع الغذائية في شهر رمضان، هنا يظهر الجنود المجهولين من خلف متارسهم، يسعون لمشاركة الفرحة والأجر مع من لا حاجة معهم، يبرهن التكافل المجتمعي على أن الحياة ليست قاسية مهما فرض الواقع من مجاعات ودمار، بإمكان الإنسان أن يتغلب على كل شيء رغم كل العواصف. في تعز هناك العديد من المنظمات والمبادرات أو لنقل خلايا نحل إنسانية مثل الجنود المجهولة، سلاحهم الإنساني عطاء وسخاء ذاتي، يعملون ليلًا ونهارًا لأجل سد حاجة الناس، هؤلاء المبادرون قاصدون شيئًا واحدا هو أن نؤدي إنسانيتنا بأكمل وجه.
"مبادرة إنسان" واحدة من المبادرات المجهولة في مجتمع يملأه مبادرات إعلانيّة فضاضة دون ملامسة واقعية. انطلقت هذه المبادرة في ٢٠٢١ بقيادة نِسرين حميد ناشطة مجتمعية، والعديد من الأرواح الشبابية التي لديها تطلعات وتجليات إنسانية في ظل هذه الظروف الاستثنائيّة، داخل مدينة يخنقها حصاران حصار مليشيا الحوثي من الخارج وحصار تهاون السلطات المحليّة مع توفير احتياجات الناس من الداخل.
"إنسان" من فلسفة الاسم هناك إيحاء روحي وأخلاقي يعبر عن مدى شعورية الإنسان باحتياجات الناس في هذا الوقت الشاذ اقتصاديًا وسياسيًا. هذه المبادرة تحت مسمى "إنسان" تجاهد الحصار والفقر والموت والمرض، في الأماكن المجهولة، في الخيم والدكاكين والأزقة الضيقة، نشاهد تمحورهم في كل مكان يرسمون الابتسامات في وجه الأمهات الثكالى، والآباء المرضى، والأبناء اليتامى.
أتابع أعمال هذه المبادرة من قبل عامين، وهي تجوب في شوارع تعز تنفذ مشاريعها الخيرية والترفيهية طوال العام، قبل رمضان عندما بدأت بتجميع السلل الغذائية كنت أشاهد الحالات وكل شخص يبادر بما يستطيع واحدة واثنتين وأخرين من عشر. يبرهن هذا التضامن المجتمعي على أنسنة الإنسان الذي كان أشبه بمتجمد من الحرب والفقر. في نهاية الشهر المنصرم كنت على تواصل مع نِسرين لأخذ تصريح لتقرير خاص لـ" يمن شباب نت" قالت "أنا كفرد مُبادر من بين مجموعة كبيرة شبابية طوعية نشيطة وفعالة ، حاضرة في كل وقت لتنفيذ الأعمال الخيرية و الإنسانية بكل حب ونشاط" وهذا يدل على مدى العلاقة الحميمة في التعاطف الإنساني.
رغم أن الحرب تفرض واقعًا مخالفًا إلا أن الضمير الإنساني يكسر كل الحصارات ويعيد ترتيب الأشياء حسب التكافل، أضافت أنها" فخورة بالضمير الإنساني؛ رغم كل شيء سلبي، ما زالوا يسعوا لنجاح أي عمل يُطرح أمامهم، و أثبتوا أن التعاون هو العمود الأول لاستمرار الخير في طريقنا و مهما ارتفعت الأسعار وصعب توفير أبسط الإمكانيات فبتعاون الجميع يتخفف الحمل الثقيل". هؤلاء الشباب يحتاجون لمن يعزز فيهم القدرات ويدعمهم في مشاريعهم ليكونوا أصالة الإنسان الفعال في مجتمعه.
اضف تعليقك على المقال