ارسال بالايميل :
4220
الكاتب : عادل الشجاع
لا شيء يمكن أن يختصر المشاعر لمشاهدة مقطع الطفلة ذات الثمان سنوات في العاصمة المؤقتة عدن وهي تموت تحت برميل القمامة الذي وقع عليها ، أثناء محاولتها تسلقه للوصول إلى النفايات التي بداخله ، علها تجد فيه ما يسد جوعها ، بعد أن طاردها الجوع في كل مكان ، فآوت إلى برميل القمامة وقررت أن تتسلقه بحثا عن ما يسد جوعها ، مثلما يفعل الآلاف من أبناء وطنها ، إلا أن الموت كان ينتظرها هناك ، فأمثالها ليس لهم مكان في زمن الأجراء .
لقد لخص موت تلك الطفلة حجم الكارثة التي يعاني منها الشعب اليمني الذي وصل إلى قاع الفقر والبحث عن الطعام في براميل القمامة ، بينما بلادهم تمتد على ٢٤٠٠ كيلو من الشواطئ البحرية وتمتلك ثروة سمكية هائلة ، ولديها مخزون من الذهب والنفط والغاز والكربون والسليكون والألمنيوم والحديد والفضة والأحجار الكريمة وموقع استراتيجي عالمي وإنسان يتمتع بالصبر وحب العمل ، ومع ذلك نجد هذا الشعب فقيرا ويبحث عن طعامه في براميل القمامة .
كانت الكاميرات تلتقط صورة الطفلة والموت بتربص بها في كل مكان ويستدرجها إلى برميل القمامة ، في الوقت الذي كانت الحكومة ومجلس القيادة مشغولين بتطويع قبائل مأرب الرافضين لرفع أسعار البترول ، ليس من أجل إشباع هؤلاء الذين يبحثون عن طعامهم في الزبالة ، بل من أجل التهام ما تبقى من مخزون هذه الأرض .
نامي يا صغيرتي قريرة العين واخلدي في جنة النعيم ، وعندما تقابلي رب العالمين اخبريه عن قيادات الأحزاب وقولي له أنها باعت اليمن بالدرهم والريال والودايع ، نامي وقولي الحمدلله أنك غادرتي هذا البلد اللعين الذي يبحث أبناؤه عن التمزيق والشتات في حين يبحث الآخرون عن الوحدة والتماسك..لقد دفعت أنت وأقرانك ثمن هذه الحرب التي يخوضها أمراء الحرب وتجار السلاح وكان يفترض أن تكوني في المدرسة أو في الحديقة تلعبين مع أقرانك .
لقد ذهبت إلى برميل القمامة لتبحثين عن حياة أفضل ، لكنك وقعت ضحية لمجرم يختفي خلف شعارات تزيد من تخمته وتزيد من جوعنا أكثر ، فموتك لخص عدد القتلى وأرقام الجرحى الذين سقطوا منذ ٩ سنوات دون توقف وموت ما يقارب نصف المليون وتشريد الملايين ، فلا تتوقعي أن مشاعر أعضاء مجلس القيادة والحكومة سوف تتحرك ، من أجل إنقاذ اليمنيين وتحسين ظروفهم ، على العكس من ذلك من لم يستطيعوا قتله يسجنوه ومن لم يستطيعوا سجنه يسجنوا أولاده .
موتك يا صغيرتي يحمل بعدا سياسيا وإنسانيا واجتماعيا ، فقد وضح لنا حجم الفساد الذي وصلت إليه الحكومة وحجم الفقر الذي وصل إليه الشعب اليمني الذي لم يسلم منه الصغير والكبير وقد اختزلتي بموتك معاناة شعب بكامله والوضع المأساوي الذي وصل إليه ، فلست أنت التي مت ، بل مات مجلس القيادة والحكومة وقادة الأحزاب والمليشيات والانفصاليين والوحدويين والجمهوريين والإماميين ، ماتت الإنسانية ومات الضمير والقيم التي تجعل المرء إنسانا ، لقد فقدنا حتى رغبتنا في الحرية واستعذبنا العبودية ولن تجدي شعبا يمجد متعلميه ومثقفيه الجهلة ويجعلونهم قادة عليهم ، مثلما يفعل الشعب اليمني .!
٢٧ ديسمبر ٢٠٢٣
اضف تعليقك على المقال