ارسال بالايميل :
2874
بقلم : عبدالفتاح الحكيمي
فصل جديد من الصراع في اليمن وإعادة رسم خارطة التحالفات والأصطفافات السياسية والعسكرية بدأت أولى مؤشراته في التقارب المحدود بين بعض المكونات المناهضة لمشروع الانقلاب الحوثي الإيراني, إذا كتب لها الأستمرار والتطور فسوف تقلب معادلة تقدم الأنقلابيين في الجبهات وتفرض عملية السلام بشروط عادلة وكريمة تقوض مشروع التمدد الإيراني في اليمن والمنطقة وربما ستطيح بماكنة ومشروع الأنقلابيين إلى الأبد.
ولعل انتقال تشكيلات عسكرية محدودة من قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح في الساحل الغربي وبعض ريف تعز إلى ساحة المواجهة العسكرية في مأرب واحدة من مؤشرات بداية صحوة مسمى مكونات دعم الشرعية وإنهاء الأنقلاب.
قد تكون هذه الخطوة متأخرة لكنها تحتفظ بأهميتها في لحظة دقيقة مفصلية كاد فيها الأنقلابيون تجاوز تحصينات مأرب الدفاعية لولا الصمود الأسطوري لقبائل مراد والجوبة والعبدية والجيش الوطني.
وفي حين أسفرت معركة مديرية الجوبة والعبدية بوجه خاص عن تلاحم جديد بين المناهضين للأنقلاب تعمقت على نحو دراماتيكي لغة التخوين والعمالة والأتهامات المتبادلة بين قيادات وأنصار الحوثيين إثر هزيمتهم المعنوية الساحقة في الجوبة بوجه خاص التي استعجلوا في الأعلان عن سيطرتهم الكاملة عليها ونشر خرائط(خَرْط) لانتصارات وهمية, ليصحوا على وقع محرقة زعموا أنها حدثت لهم بفعل خيانة الشخص المشرف على معاركهم والمعين من قبلهم وكيلاً لمحافظة مأرب.
ولعل عقدة الحوثيين في مأرب ونقطة قوة المدافعين عن الشرعية الدستورية هي صلابة الحاضنة الإجتماعية القبلية لمشروع الجمهورية وثباتها على مبادئ وقيم لا تتزحزح كالجبال.
ومن باب تصدير أزمة الثقة التي تعيشها قيادات عصابات الأنقلاب وتشكيكها بولاء كل من يقف معها في معركتها الباطلة كما حصل في الجوبة والعبدية ومراد لجأت إلى تصدير أزمتها الداخلية والتشكيك بنوايا مشاركة قوات رمزية من الساحل الغربي في صفوف قوات الشرعية لضرب أسفين مع مكونات أخرى داعمة للشرعية مثل حزب الإصلاح والمؤتمر وبعض الاشتراكيين والقوميين وسلفية ولي الأمر والقبائل, ليؤدي لؤم الحوثيين وحقدهم على توافق الآخرين إلى العكس بمزيد من التلاحم والإحساس بالخطر والمصير المشترك بعد أن ظل تفكك قوى مناهضي الأنقلاب أبرز نقاط تقدم الأنقلابيين الميداني.
* أحتكار الوطنية والمقاومة *
وليس مشروع مقاومة الأنقلاب مغنماً بكلفته الباهضة في الأرواح والعتاد والأموال , ولا حق الدفاع عن الوطن والكرامة والهوية الوطنية والدينية حكراً على فئة أو حزب أو قبيلة وقوة دون غيرها ولا ماركة مسجلة خاصة بجماعة وطنية دون أخرى, في وقت قل أن يجود فيه الكثيرون بما يستطيع في دفع جبروت وغشامة الخطر القادم الذي لا ولن يستثني أحداً.
هروب الحوثيين إلى التخوين مع كل هزيمة يكشف حقيقة التصدع العميق في نسيج مكوناتهم وحالة يأس وإسقاط فشل على الآخر(ألصديق الخائن ) كما أنهم يستغنون بالمقابل عن كل من خان مبادئه وقبيلته لصالحهم كما يستبدلون أحذيتهم بالضبط بما فيهم الذين يخلصون لهم عن سذاجة وقناعة بفكر ومعركة التضليل والزيف الديني وادعاء الاصطفاء الإلهي.
وليس أكثر أنهم تخلصوا من مشرفهم المستعار في الجوبة وغيرها وقتلوه بدم بارد, وفوق ذلك يحملونه وزر الهزيمة الساحقة الماحقة إلى القبر!!.
وسبقه في ذلك عشرات ومئات المشرفين والضباط الميدانيين في عمران, وصعدة, وذمار, وصنعاء, وأب.. وغيرها بنهايات تراجيدية بشعة وسيناريوهات مختلفة تنتهي بتصفيتهم والتخلص منهم بعمليات سرية أو بطريقة علنية وملاحقات في وضح النهار يراد بها رسالة إلى آخرين لا يزالون بينهم , ما يعكس حقيقة عدم ثقة قيادات الأنقلابيين بصوابية مشروعهم وانحرافه, ووعيهم الكامل ببطلان الأساس الفكري والأخلاقي والسياسي والعسكري الذي نشأ عليه وبموجبه.
* تخوين وتشكيك *
ونتفهم هذيان الحوثي ومحاولة قياداتهم التشكيك بصدق تقارب المناوئين لهم في ميدان المعركة, فحين كانوا يراهنون على بقاء تفكك قوى تحالف دعم الشرعية الداخليين والخارجين كعامل قوة لهم وضعف للآخر بدأت صفعة الخيانة الداخلية الميدانية في صفوفهم وأزمة الثقة تصيبهم بمقتل لتؤكد خطورة مرحلة التآكل والهشاشة الأسوأ الذين هم عليها وما يمكن أن يُبْنى عليه وضعهم وأحوالهم في المستقبل المنظور.
ولا غرابة في تسويق نائب وزير خارجيتهم الوهمي حسين العزي لدعايات كاذبة مضللة تستهدف مصداقية قوات الساحل الغربي الرمزية المنتقلة إلى جبهة مأرب والرهان على ورقة حساسية البعض من الماضي أو حسابات تطلعات وطموحات لا محل لها اليوم أكثر من فاتورة الثمن الباهض الذي ينبغي دفعها عاجلاً في مواجهة زحف مليشيات الأنقلاب لتثبيت حق الوجود والمواطنة قبل مطاردة مغانم السلطة والنفوذ.
ومن شأن مشاركة قوات المقاومة الوطنية والمشتركة والعمالقة التي يشرف عليها طارق صالح في المجهود الحربي ضد الانقلابيين في مأرب وشبوة إذا ما استمرت وتطورت إزالة اللبس عن دور هذا الفصيل الذي تسلم قيادة جبهة الساحل الغربي والحديدة دون مجهود حقيقي على حساب قوات العمالقة التي كانت محسوبة على الشرعية, وكذلك تمكين دماء جديدة من صنعاء وغيرها في عمران وذمار وأب من الأنخراط أكثر وتبديد شائعة إن الإصلاحيين وحدهم أو هم أكثر من يواجه الحوثيين في الميدان ودفعوا فاتورة دماء أكثر من غيرهم, في توصيف غير دقيق لإن حزب الإصلاح في الحقيقة يدافع عن استهداف كيانه ووجوده السياسي وقناعاته الفكرية أكثر من زعم خوض المعركة بالإنابة والدفاع عن الآخرين في عموم البلاد .
وليست المرة الأولى التي تشارك فيها وحدة عسكرية من قوات المقاومة الوطنية للقتال في صفوف قوات الشرعية بصورة علنية فقد سبقها إرسال مجموعة قتالية مجهزة إلى مسرح عمليات جبهة آل حميقان بالبيضاء تم اعتراضها ومنعها من قبل مليشيات صالح السيد التابعة لمجلس الأنتقالي.
إلا أن الجاهزية لمعركة مأرب-شبوة بدأت قبل شهرين من تفاهمات مع وزارة الدفاع وإعادة تموضع وحدات قتالية تابعة للقوات المشتركة التي يشرف عليها طارق صالح في منطقتي الوازعية وموزع غربي تعز بديلاً عن قوات هيثم قاسم التي انتقلت إلى حضرموت لحسابات خاصة بمليشيات ألأنتقالي بانتظار نتائج معارك مأرب والجوف التي يعتقدون أنها سوف تقرر مصير الجنوب !!.
* تموضعات تعز *
ولا يؤثر إعادة تموضع قوات طارق في ريف غرب تعز على قوى أخرى مثل الإصلاح أو غيره من جماعات أبو العباس وأصدقائه القوميين بمعايير شراكة المصير الذي لا يتوقع فيه طرف ماذا ينتظره ولا إلى أين تذهب البلد والوطن.
والمعطيات المتغيرة كذلك إن أعباء مهمة قوات الساحل المشتركة توسعت مع احتمالية التخلي عن اتفاقية استوكهولم والمناوشات اليومية أو بانضمام وحدات منها إلى جبهة مأرب-شبوة, ما يُضَيِّق الحسابات الخاصة بشأن عدم جدوى حسابات السيطرة الجغرافية لمراكز القوى حالياً وتأثيرها على التمثيل في الحكم مستقبلاً, فخطر المشروع الحوثي-الإيراني داهم على الجميع.
وعلى العكس فإن انسحاب قوات تابعة لهيثم قاسم من الوازعية وموزع واستبدالها كما حدث هو لصالح تعز وليس حزب الأصلاح بالحسابات القضايا الجوهرية, فعلى الأقل لم تكن قوات هيثم متحمسة لقتال الحوثيين كما هي قوات طارق صالح.
وقد جنب حصر دور ومهمة ألوية العمالقة في نطاق الحديدة ومأرب بإشراف طارق تشتيت هذه القوة والتنازع عليها لصالح مقاومة الأنقلاب بعد أن كان ولاؤها محل تجاذبات شرعية-انتقالي يضعف من قدرتها على مواصلة المعركة التي توجتها بانتصارات الحديدة قبل محاولة متطرفي ألأنتقالي اختراقها وتجييرها.
وليس المطلوب من قوات هيثم قاسم أو ألأنتقالي الأنخراط في مشاريع كبيرة كمواجهة خطر الأنقلابيين, فما فعلوه في جبهة آل حميقان بقطع إمدادات قوات الشرعية جعل العدوان عليهم أقرب من حبل الوريد, ومن بوابة يافع نفسها ألمهددة أكثر من غيرها في الجنوب مروراً بشبوة وحضرموت مناطق اغراءات الحوثيين بالنفط والثروات المعدنية!!.
* تطبيعات تعز *
نموذج تطبيع العلاقات الذي حدث في محافظة تعز بين قيادات الشرعية ممثلة بالمحافظ نبيل شمسان والوكيل المؤتمري عارف جامل وقبادات الإصلاح وطارق صالح شمل تفاهمات وتنسيقات حول فتح الممر الغربي بوجه خاص وتهدئة خواطر يحتاج معها الجميع تحشيد الطاقات نحو الخصم الخطير المشترك وليس في معارك الصغار, مع تفاهمات اولية حول حدود التداخلات بين سلطات وحدات الإدارة المدنية والعسكرية والأمنية .. وهذا ما لم تفهمه في تعز بعض الجماعات الحزبية والدينية والتكتلات ألتي تعيش أما على هامش صراعات وتناقضات الآخرين أو على جزئية توظيف معاناة الناس المعيشية ضد التدهور العام المؤقت بالحق والباطل حتى كأن هؤلاء فقدوا القدرة على الإحساس بمخاطر الانقلاب ومساوئ استحواذ المشروع السلالي-الإيراني على اليمن !!.
وحين تظهر بعض قيادات الكيانات الحزبية والإجتماعية مواقف كبيرة منسجمة مع نفسها برفض الانقلاب كما حصل في موقف أمين عام حزب قومي عندما رفض توقيع اتفاقية موفنبيك الحوثية دون ضمانات أمنية نرى انحيازات في قضايا خطيرة في الموقف من التمرد المسلح على قيادة اللواء ٣٥ وتداعيات العنف اللاحق والأصرار على إثم رمي أبرياء والإلحاح على محاكمتهم بما لم يكتسبوه..
عدا إن تحالفات بعض القوى مع جماعات متطرفة استئصالية في ذمتها مئات الجنود الأبرياء في تعز لمجرد المكايدة وخلافه تشبه في منطقها واقعة تسليم علي صالح الجيش والسلاح للحوثة.
وعندما يسمو الكبار فوق الصغائر كما يحدث اليوم من تقاربات وتفاهمات أولية بين خصوم الأمس حزب الإصلاح وطارق صالح يضيق الخناق أكثر على مشروع الأنقلاب بردم فجوة تفكك القوى المناهضة وكبح جماح التطلعات غير المشروعة لابتلاع اليمن وجرف الهوية والأنسان.
* جذور الخيانات الحوثية*
لم يتوقف منهج تخوين الحوثيين للموالين لهم في الجبهات وحدها فقط بل وشمل في السابق حتى اليوم قيادات الصف الأول ألتي انتهت قبل أشهر بتصفية يحي الشامي ونجله زكريا الشامي, ولا اغتيال الوزير حسن زيد قبل أكثر من عام والكيد لنبيل الوزير واتهامه بالخيانة للأستيلاء على وزارة المياه ولا تخوين علماء المذهب الزيدي والتضييق عليهم لموقفهم المناهض لتجييش الجبهات بالأبرياء من أجل لوثة الحكم , ولا بوصف ممثلي مؤتمر صنعاء الوزراء في حكومة الأنقلاب بالعملاء والمرتزقة, ولا بقتل آلاف الضباط والجنود الفارين من المواجهات العسكرية الذين جرى ويجري أعدامهم.
وفيما تبدو جبهة الانقلاب متماسكة وموحدة في الظاهر, فذلك ينطبق فقط على القرار العسكري القهري وليس على وحدة الإرادة ومصداقية ولاء القيادات والجنود والأفراد وثقة الكل بالجميع المفقودة.
وللزيادة فقط فأن تعيينات أخوة وأقارب وأصهار عبدالملك الحوثي في صدارة مؤسسة الجيش والأمن والمخابرات والقوات والكتائب الخاصة ومؤسسة التربية والتعليم (الفَقّاسة الفكرية الخبيثة), والإفتاء الديني وشئون المساجد والأوقاف ودورات غسيل الدماغ, والمالية والموارد وغيرها كلها شاهد كبير على عمق أزمة الثقة الحادة بالآخر الموالي للجماعة والخوف منه, وعدم الإعتماد عليه والتحريض الإعلامي ضده وتشويه سمعته وإحراقه ليتسع بذلك شرخ تفكك وتمزق نسيج قوى الأنقلاب من الداخل بما لا يمكن مقارنته مع حال انقسامات قوى دعم الشرعية التي لا تصل إلى مستوى فقدان ثقة مكونات الأنقلابيين ببعضهم البعض نهائياً .. بدليل أنهم موحدون في الغالب إزاء فكرة ضرورة مواجهة خطر الأنقلاب عسكرياً في الميدان كلٌ بطريقته الخاصة وسلاحه..
وما يؤخذ على هؤلاء هو تشتت وحدة إرادة القرار والجهد وليس الهدف المشترك.
ولا يمكن اعتبار مليشيات مجلس ألأنتقالي مناهضة للأنقلاب عملياً مثلاً رغم شراكتها في الحكومة لتعطيلها, فلها معركتها الجغرافية الخاصة, ووجود بعض جنود المجلس في الضالع وغيرها حالياً في الخطوط الخلفية رمزي ومستقل عن عمليات قوات الشرعية في خطوط المواجهة المتقدمة.
* *
وتشكل حالة التفكك الداخلي للحوثيين عقدة نقص مؤرقة لقياداتهم فيبالغون في تصوير حالة تباعد قوى الشرعية والمناهضة لهم بوسائل دعائية ممنهجة أبرزها نشر أخبار اتفاقيات هدنة وصلح وهمية بين الحوثة وشيوخ قبائل مأرب والجوف وغيرهم, وتزوير مواقع تواصل اجتماعي في الفيسبوك وتويتر بأسماء قيادات تابعة للشرعية.. ونشر تصريحات مفبركة كاذبة باسم البعض كما حدث مع الشيخ منصور الحنق محافظ صنعاء وغيره, والأيحاء بوجود تفاهمات مع قيادات إصلاحية وغيرها بشأن تسليم مأرب سلمياً ونشر ذلك في قنوات إعلام المهرجين مثل صاحب الهوية ومنشورات الفسبكة, والأدعاء بوجود مخبرين لهم من قيادات الشرعية السياسيين والوزراء كما زعم ذلك حسين العزي ألذي وعد بكشف أسمائهم حال انقطاع تواصلهم معهم, وبغباء يفضح كذب صاحبه وسذاجته ولديه لقب سياسي كبير واضح أنه وهمي ومزور مثل معلومات صاحبه !! .
وتمثل حالة فقدان الثقة وتخوين قيادات الصف الأول الحوثية الدائم لبعضها أزمة عاصفة حادة تهدد تماسك البنية العسكرية المسلحة لأدوات إيران نفسها التي تدار بطريقة ترهيبية متسلسلة من أعلى إلى أدنى مرتبة وجندي, وليست بطريقة طوعية كما هو ولاء مقاتلي الشرعية والقبائل والمتطوعين عن قناعات محضة غالباً دون إكراه في مواجهة قوى البغي.
ويستحق تقارب القوى الوطنية الأحتفاء باعتبار تبديده حالة الانكسار والتراجع بأحياء جبهة إسقاط الانقلاب واعادة الثقة بالروح الثورية وزخمها الذي ينبغي أن لا يتراجع أو يخفت لمجرد سقوط منطقة أو قرية, أما مرجفوا الحواري في تعز وعدن وغيرها فتلك طباع اليائسين, ومرض نفسي مزمن لا تنفع معه قوارير أدوية الطب والصيدلة.؟؟.
اضف تعليقك على الخبر