يمن اتحادي - العربي الجديد
تعرض الحكومة اليمنية التي يتواجد معظم وزرائها في الرياض لضغوطات كبيرةيقودها السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، لتوقيع مسودة اتفاقيات بينالطرفين تحت إطار ما يسمى بالبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والذي يرأسهالسفير السعودي، والجلوس مع حلفاء الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي المتمرد علىالحكومة لمناقشة تنفيذ اتفاق الرياض بصيغته المعدلة والتي ترفضها الحكومة.
وتتجه السعودية وشريكتها في التحالف الإمارات، إلى البسط على عديد المواقعالاقتصادية اليمنية النفطية والغازية والنقل، والإشراف على بعض المناطق والمحافظاتالاستراتيجية في إطار اتفاقيات يجري توقيعها مع الحكومة اليمنية. وبعد الاستيلاءعلى سقطرى يرى مراقبون أن الدور القادم سيكون على ثروات مثل النفط ومواقع أخرىاستراتيجية مهمة مثل المهرة.
وكشفت وثيقة مسربة صادرة عن وزارة النفط اليمنية اطلعت عليها "العربي الجديد" عنبنود اتفاقية مزمع توقيعها بين الحكومة اليمنية والبرنامج السعودي لتنمية وإعماراليمن، يتم بموجبها استحواذ البرنامج عن طريق شركة "أرامكو" الوطنية السعودية علىقطاعات ما يعرف بـ"المثلث الأسود" النفطية في المناطق الشرقية من اليمن الواقعة علىامتداد ثلاث محافظات مأرب والجوف وشبوة، لمدة 40 عاماً.
ورغم نفي الحكومة اليمنية صحة المعلومات والاتفاقية التي اعتبرتها مزورة، إلا أنمصادر مطلعة أكدت لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تتعرض لضغوطات سعودية شديدةتتعلق بالمعارك الدائرة في جبهات الجوف ومأرب مع الحوثيين، وفي أبين مع حلفاءالإمارات الانتقالي الجنوبي، بهدف الرضوخ والتجاوب مع المشاريع التي يتبناها مايسمى بالبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
وأضافت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن السعودية ترفض تجديد الوديعة الدولاريةفي البنك المركزي اليمني، وتشترط لتجديدها رضوخ الحكومة، والجلوس مع الانتقاليالانفصالي الجنوبي لمناقشة تنفيذ اتفاق الرياض وفق الصيغة السعودية المعدلةوالمعطيات الجديدة على الأرض، بعد استيلاء حلفاء الإمارات على عدن العاصمة المؤقتةالمفترضة للحكومة الشرعية، وجزيرة سقطرى.
وحسب المصادر: "يضاف إلى ذلك التفاهم حول بعض الاتفاقيات مثل اتفاقية استغلالوإدارة حقول المناطق الشرقية اليمنية النفطية ومنحها امتيازات حق التنقيبوالاستكشاف في قطاع 18 النفطي والغازي في مأرب والجوف، والقطاع رقم 4 فيشبوة".
وتعد مأرب وشبوة من بين 20 محافظة يمنية، أهم ما تبقى من جغرافيا للحكومة المعترفبها دولياً، في ظل انتشار الصراع على بقية المحافظات التي يسيطر الحوثيون على مايقارب 8 محافظات منها، بينما تخضع عدن ومناطق في جنوب البلاد لنفوذ المجلسالانتقالي المدعوم إماراتياً، في حين ما تزال هناك محافظات محل نزاع وصراع وحربضروس بين مختلف الأطراف المتنازعة.
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في إبريل/نيسان الماضي عن توجه الحكومة اليمنيةإلى بيع أكبر الحقول النفطية اليمنية المتمثل بقطاع 18 التابع لشركة صافر الحكومية فيالمناطق الشرقية من اليمن، في ظل ظروف صعبة يمر بها اليمن بسبب الصراع الدائر فيالبلاد، إلى جانب الانشغال الدولي والمحلي بالتصدي لفيروس كورونا وتنفيذ إجراءاتاحترازية واسعة لمكافحته.
وتمتلك شركة صافر الحكومية القطاع النفطي 18 والذي يعد أكبر الحقول النفطية فياليمن، إذ تعمل الحكومة على إعادة الإنتاج من هذا الحقل الذي يشمل مأرب والجوفبكامل طاقته منذ العام الماضي دون جدوى حتى الآن، مع الاكتفاء بإنتاج وتصدير مايقرب من 15 ألف برميل في اليوم من قطاع يتجاوز إنتاجه نحو 100 ألف برميل يومياً.
وتحدثت المصادر، عن قيام أطراف حكومية لم تحددها بالضغط لاستكمال المفاوضاتالتي جرت مؤخراً في العاصمة الأردنية عمّان مع الشركات النفطية الدولية التي لم تسمهافي حينها لإنهاء عملية البيع لأكبر حقول النفط اليمنية.
في هذا السياق، أكد مسؤول رفيع في وزارة المالية لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يمربمأزق مالي كبير بعد نفاد الدولار من البنك المركزي، وتتعرض البلاد إلى مضاعفاتصعبة بسبب تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، والذي نتج عنه الاستيلاءعلى موارد الضرائب والجمارك وأموال حكومية كانت مخصصة لصرف رواتب الموظفينالمدنيين لشهر مايو/أيار الماضي.
هذا المأزق قد يدفع الحكومة اليمنية للرضوخ للضغوطات السعودية التي يديرها السفيرالسعودي والمشرف على الملف الاقتصادي اليمني في التحالف العربي الذي تقوده بلادهفي اليمن، وذلك لتوقيع الاتفاقية النفطية واتفاقية أخرى يجري الإعداد لها تتعلق بمدأنبوب للصادرات النفطية السعودية عبر محافظة المهرة شرق اليمن المحاذية لسلطنةعُمان إلى البحر العربي.
وبحكم الخلافات المزمنة بين النظامين السعودي والإيراني، وتهديدات طهران المتواصلةبقطع الطريق على إمدادات النفط عبر مضيق هرمز، حاولت السعودية منذ عقودالحصول على منفذ على "البحر العربي" لبناء أنبوب لنقل نفطها للهروب من هذهالتهديدات.
ويأتي ذلك بالرغم من أن لدى السعودية أنبوبا طوله 1200 كيلومتر ويمتد من حقل"بقيق" في المنطقة الشرقية إلى مدينة ينبع بالبحر الأحمر، إلا أن هذا الأنبوب لا يستطيعنقل ما يتراوح بين خمسة وستة ملايين برميل يومياً، وبالتالي فهناك حاجة إلى أنبوبعملاق لنقل كميات أخرى من النفط الخليجي عبر بحر العرب كما يوضح الخبيرالاقتصادي، إبراهيم عبيد.
وحسب الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، فإن مد هذا الأنبوب يهم السعودية أكثرمن استحواذ "أرامكو" على حقول "المثلث الأسود"، لأنها تمتلك ثروة نفطية هائلة بينماما يمتلكه اليمن لا يشكل أي رقم مقارنة بما لديها.
وأوضح عبيد أن هدف الرياض الاستحواذ على كل مقدرات اليمن للتحكم بمصيرهوإخضاع كل الأطراف المتصارعة لأهدافها المشبوهة في الحرب، لافتاً إلى أن السعوديةتعتقد أن مد الأنبوب سيسهل لها كثيراً من رفع صادراتها النفطية وكسب جولة فيصراعها مع إيران.
ويشبه يمنيون السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، بالمبعوث الأميركي السابقفي العراق السفير الشهير بول بريمر، لتشابه الدور الذي يلعبه آل جابر في اليمن بالدورالذي لعبه بريمر بعد الاجتياح الأميركي للعراق.
ويرى محللون أنه لأجل بناء هذا الأنبوب تحتاج المملكة إلى أرض تكون تحت سيطرةالسعودية وغير خاضعة لسلطة أي دولة أخرى، وهذا يظهر جلياً مدى الاهتمام الخالصالذي توليه الرياض بمحافظة المهرة التي من الواضح أنها الأرض التي ترغب فيالاستيلاء عليها.
ومن جانبه، يشدد الباحث في مركز الدراسات والأبحاث النفطية في صنعاء، أمين العليي،على عدم شرعية أي طرف في التصرف بأي ممتلكات سيادية في هذه الظروف من الحربالتي يمر بها اليمن، وأن الأمر يتطلب سلطات تشريعية دستورية للبت في مثل هذهالقضايا المتعلقة في بيع حقول نفطية أو منح عقود استغلال جديدة لشركات محلية أوأجنبية.
ويشير إلى أن تواجد الحكومة اليمنية في الرياض والتي أصبح وضعها بمثابةالمحتجز، يجعل أي خطوة سعودية لاستغلال الوضع في اليمن، سواء على المستوىالاقتصادي أو السياسي، محل إدانة قانونية وفق مختلف التشريعات الدولية، لأنه لايحق لأي سلطات موازية غير شرعية، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً أوحتى الحوثيون في صنعاء، التصرف بأي ممتلكات سيادية في دولة بوضعية حربوصراعات متعددة ومركبة على أكثر من اتجاه.
وكان وزير النفط في الحكومة اليمنية، أوس العود، قد لمح الشهر الماضي في تصريحاتصحافية إلى توجه وزارته لطرح بعض القطاعات النفطية للاستثمار أمام الشركاتالأجنبية، حيث تمتلك البلاد نحو 105 حقول نفطية في مناطق الامتياز، منها 12 منتجةونحو 81 مفتوحة للتنقيب، بينما هناك 18 شركة محلية وأجنبية عاملة في الإنتاجوالاستكشاف.
وتذكر إحصائية رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن المخزون النفطي في اليمنيقدر بنحو 11.950 مليار برميل، منها 4.788 مليارات برميل نفط قابل للاستخراج بالطرقالأولية والحالية. ويصل إجمالي النفط المنتج حتى ديسمبر/ كانون الأول 2018، وهوإنتاج تراكمي لجميع القطاعات منذ 2015، إلى حوالي 2.9 مليار برميل، بينما يصلإجمالي المخزون الغازي إلى نحو 18.283 تريليون قدم مكعبة.
وفي هذا السياق، يتوقع الباحث الاقتصادي، توفيق النهمي، اتجاه دولتي التحالف فياليمن (السعودية والإمارات) إلى إنهاء عقود أغلب الشركات المحلية اليمنية والأجنبيةالعاملة في حقول إنتاج وتصدير النفط والغاز في اليمن.
وتعمل في محافظتي شبوة وحضرموت جنوب شرق اليمن وفق تقارير رسمية 35 قطاعانفطيا، وهو ما شكل دافعا للإمارات لتعزيز وجودها في المحافظتين، إذ ما تزال بعضالمناطق النفطية في شبوة تحت سيطرتها بينما 50% من حضرموت تحت سيطرة قواتمحلية موالية لها.
ويفسر النهمي في حديثه لـ"العربي الجديد" تلك التوجهات بأنها تأتي ضمن مخططواسع شرعت بتنفيذه بشكل علني، كما هو حاصل في عدن وحضرموت والمهرة وسقطرىمن خلال تقويض السلطات الحكومية لصالح الكيان الموازي غير الشرعي الذي كونتهالإمارات المتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
وضخت السعودية عشرات مليارات الدولارات لدعم نظام عبد ربه منصور هادي وحكومته،على شكل مساعدات إنسانية وإعانات من الوقود، بالإضافة إلى إيداعات مالية فيالمصرف المركزي اليمني ودعم العملة المحلية.
ومن المفارقات أنه في ظل احتدام الصراع على نفط البلاد، يواجه اليمنيون أزمات وقودخانقة ومتكررة، إذ تمتد طوابير طويلة من السيارات متكدسة أمام المحطات التي اضطربعضها إلى الإغلاق لنفاد الكمية المتوفرة لديها من البنزين.
ولا تزال أزمات الوقود الخانقة التي شهدها اليمن، العام الماضي، مثل التي حدثت فيسبتمبر/ أيلول الماضي، التي تعتبر الأكثر حدةً وتأثيراً، عالقة في أذهان اليمنيين الذينيعيشون على وقع أزمات معيشية متتالية منذ ما يزيد على خمس سنوات، وسط ترد كبيرفي الخدمات العامة وتوقف الرواتب وانعدام الدخل ومحدودية توفر الأعمال.
اضف تعليقك على الخبر