نبيل حسن الفقيه*
مضت على الحرب في اليمن خمسة اعوام، ودخلت الازمة عامها السادس ولا امل يلوح في الأفق لانقشاع الغمة، فمع استمرار حالة الا استقرار في اليمن تتفاقم الحالة الإنسانية وترتفع التداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في اليمن مما ينذر بوقوع كارثة كبيرة لليمن لا يمكن ان تتجاوزها لعقود من الزمن.
لقد وضعت المنظمات الإنسانية اليمن في صدارة تقاريرها حيث وصفت الازمة في اليمن بانها اسوأ ازمة إنسانية في العصر الحديث، فقد أصبح أكثر من 60٪ من السكان في اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية واصبح ان اكثر من 18 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة ،وارتفع عدد من يعانون من انعدام الامن الغذائي الى أكثر من 20 مليون شخص، بالإضافة الى ان هناك ما يفوق الـ 9 ملايين من الأطفال والنساء يعانون من سوء التغذية الحادة … علاوة على ذلك فان هناك ما يفوق الـ17 مليون شخص في اليمن يعانون من صعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب، ومع ارتفاع معدل الإصابة بوباء الكوليرا وغيرها من الأوبئة الى اكثر من مليون شخص فان احتياج السكان للرعاية الصحية الأساسية قد ارتفع ليصل الى ما دون الــ19 مليون يمني، اضف الى ذلك تعذر انتظام 4.5 مليون طفل في دراستهم نتيجة انهيار منظومة التعليم.
ان كل تلك الأرقام المخيفة والصادمة تضع الجميع امام مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية والإنسانية، وأصبح الكل مطالب بالوقوف امام التحديات التي تعصف بالوطن … فقد دُمرت البنية التحتية، وانهار الاقتصاد وانهارت مختلف القطاعات الخدمية، وتفاقم الوضع الإنساني، واضمحلت كل مقومات الدولة خاصة بعد ان تشتتت المؤسسات فيما بين الأطراف السياسية، وزاد من حدة الصراع شيوع ثقافة الكراهية والعنف في أوساط اليمنيين، وارتفاع مستوى الكراهية، وتبني مختلف الأطراف الدعوات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية والعنصرية و اللجوء للعنف لفرض القناعات المذهبية أو السياسية، مما أدى الى تفكك النسيج الاجتماعي، واتسعت مساحة المستفيدين من الوضع القائم في اليمن، حيث طفى على السطح مجموعة من المنتفعين في الداخل والخارج شكلوا مجتمعين ما يعرف بـتجار “اقتصاد الحرب“، وأضحى تشابك وتقاطع المصالح فيما بين تجار الحرب في اليمن واضح للجميع.
لكل ذلك هل آن الأوان للنظر بموضوعية للحرب في اليمن من اعلى نقطة حتى ندرك فداحة المشهد الذي بتنا عليه ؟؟؟، وهل أدرك الجميع ان تحقيق أي انتصار عسكري لأي طرف بات في حكم المستحيل؟؟؟ وهل وصل الفرقاء السياسيين الى قناعة انه لا يمكن تحقيق الاهداف السياسية لأي طرف من خلال الحرب لاعتبارات جيوسياسية إقليمية ودولية ؟؟؟، وهل بات من الضروري ان ينظر المحيط الإقليمي والدولي للحالة اليمنية من منظور انساني واخلاقي فيسعوا مع اليمنيين نحو السلام.
لقد فقد اليمنيين الثقة بالأطراف السياسية المحلية والإقليمية والدولية وبالتزاماتهم نحو تحقيق السلام والاستقرار في اليمن، إلا أن الجميع بات يدرك ان هناك مساحة من الأمل يمكن ان تتسع لتحقيق السلام وذلك من خلال تقديم الفرقاء السياسيين للتنازلات المتبادلة وفق الثوابت الوطنية المبنية على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية، وعلى أسس من العدالة والمساواة والحرية، والديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة والقبول بالآخر، معتمدين على الرافعة الدينية والأخلاقية والإنسانية التي تدفع بالجميع لتبني مشروع السلام العادل الذي يضع الجميع امام الدستور والقانون على قدم المساواة، السلام الذي يؤسس للمشاركة السياسية لكل الأطراف دونما تمييز مناطقي او مذهبي او حزبي او فئوي، السلام الذي يحقق المواطنة المتساوية والعادلة امام القانون، السلام الذي تصان فيه الحقوق المادية والمعنوية لكل المواطنين فلا يهدر حق أي مواطن أو يراق دمه او يذل او يهان من أحد ، السلام الذي يبث روح التسامح ويرسخ لثقافة وأدب الاختلاف والقبول بالأخر، السلام الذي يدعم المجتمع والدولة للتصدي للدعوات الطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية والعنصرية، السلام الذي يعزز من الشراكة واللحمة الوطنية.
،،والله من وراء القصد،،
عمّان، ديسمبر 2019م
*وزير الخدمة المدنية
اضف تعليقك على المقال