الكاتب : أشرف محمدين
لا يعيش الإنسان على الهواء والطعام وحدهما، بل على تلك الشرارة الخفية التي تُبقي الروح واقفة رغم ما ينكسر حولها: الأمل.
الأمل المتجدد ليس ترفًا نفسيًا كما يظن البعض، بل هو وظيفة حيوية للقلب، مثل ضرباته تمامًا؛ إن توقّف، مات المعنى حتى لو ظل الجسد حيًا.
نحن لا ننجو في الحياة بقوة عضلاتنا ولا بكثرة ما نملك، بل بقدرتنا على أن نقول لأنفسنا بعد كل سقطة: «ما زال هناك ما يستحق أن نُكمِل».
ولهذا كان الأمل المتجدد هو إكسير الحياة — ذلك السائل المعنوي الخفي الذي يعيد للروح نبضها كلما أوشكت أن تتجمد.
المشكلة ليست أن نتألم، فالألم جزء أصيل من الرحلة، بل المشكلة أن نستسلم ونظن أن ما ضاع لن يُعوَّض، وأن ما كُسر لن يلتئم، وأن ما فات هو آخر ما تملك الأيام أن تقدمه لنا.
وهنا يصنع الأمل الفارق: ليس لأنه يغيّر الواقع فورًا، بل لأنه يغيّر طريقة النظر إليه، فيُصبح ما كان نهاية محتملة بداية جديدة.
إن تجديد الأمل فعلٌ مقصود، لا صدفة. هو قرارٌ داخلي يشبه إعادة شحن القلب، لا انتظار عناية خارجية تهبط من السماء بلا جهد.
نحن مسؤولون عن أن نصون تلك المساحة النورانية داخلنا، وأن نرفض السماح للخيبات أن تُطفئها. فالأمل لا يأتي وحده، بل يُستدعى: بالذكر، بالصبر، بإعادة ترتيب الذات، وبالإيمان بأن رحمة الله تتسع لما لا نتخيله.
والمفارقة أن الذين جُرِّبوا الألم أشد من غيرهم، هم — غالبًا — الأقدر على تجديد الأمل، لأنهم تعلّموا أن أقسى العتمة لا تعني غياب الفجر، بل قُربه.
ولأنهم عرفوا أن الحياة لا تكافئ اليائسين، بل الذين ينهضون حتى بأقدام مرتجفة، ويواصلون السير حتى بالقلوب المثخنة.
الأمل المتجدد ليس حالة شعرية، بل مهارة حياة:
أن نُعيد بناء النفس كلما تهدمت، أن ننفض الغبار عن الحاضر، وأن نسمح لحلم جديد أن يطلّ ولو من شق صغير.
فالذين يحافظون على الأمل لا يعيشون حياة أسهل من الآخرين، بل عقولهم لا تسمح لليأس أن يكتب السطر الأخير.
ولولا الأمل، لما تزوج المطلقون من جديد، ولا عاد المفلسون إلى الأسواق، ولا وقف المرضى بعد العجز، ولا ابتسم الذين دُفن أحباؤهم.
الأمل هو الذي يجعل الإنسان يزرع نخلة وهو يعلم أنه ربما لن يأكل من ثمرها، لكنه واثق أن الحياة لا تخذل من يحسن الظن بربها.
إن أخطر ما يمكن أن يحدث للإنسان ليس أن يسقط، بل أن يفقد الرغبة في النهوض. ومن هنا تأتي ضرورة تجديد الأمل باستمرار، لا مرة واحدة.
فالحياة تتغير بسرعة، والمواقف تتبدل، والقلوب تضعف وتقوى، وما كان مستحيلًا أمس قد يصبح عاديًا غدًا — فقط لأننا لم نغلق الباب.
الأمل المتجدد ليس توقّعًا لواقع مثالي، بل يقين بأن الله يدبّر بغير ما نرى، وأن الذي يُطرق بابه لا يعود خائبًا.
وحين نسهر على حماية هذا اليقين داخلنا، نصير أكثر قدرة على الاحتمال، وأكثر قدرة على الصبر، وأكثر قدرة على الفرح، مهما كانت الضريبة التي دفعتها الأيام.
في النهاية،
الأمل لا يغيّر الماضي، لكنه يصنع مستقبلًا لا يشبهه.
ولأننا نعيش مرة واحدة فقط، لا يليق أن نعيشها بقلب مستسلم.
فلنحافظ على تلك الشعلة ولو خافتة، فربما ما ننتظره أقرب مما نتصور.
فما دامت فينا أنفاس تتحرك، فالأبواب لا تزال قابلة للانفتاح…
ومن ظن بالله خيرًا، لم يخذل يوما
ولعل أعظم ما نتواطأ عليه مع أنفسنا في هذه الحياة، هو أن نحرس شعلة الأمل مهما عصفت بنا الرياح. فالإنسان لا يسقط حين يُهزم، بل يسقط حين يستسلم. وما دُمنا نملك القدرة على إعادة بناء الرجاء داخلنا، فالهزائم كلها مؤقتة، والانكسارات كلها قابلة للترميم. إن الأمل المتجدد ليس حالة شعورية عابرة، بل هو قرار أخلاقي وروحي نأخذه تجاه أنفسنا: أن لا نخذلها، أن لا نُسلمها لليأس، أن لا نُطفئ نورها الداخلي مهما خفت واهنًا.
نحن لا نحتاج إلى معجزات كي نستمر، نحن نحتاج فقط إلى “لمعة” صغيرة تُذكرنا بأن الله لا يُغلق بابًا إلا ليفتح أبوابًا أوسع، ولا يقتلع شيئًا إلا ليزرع ما هو أنفع منه. لذلك، فامنح نفسك فرصة كل صباح لتبدأ من جديد، حتى وإن كنت لم تُشفَ بعد، ولم تنتصر بعد، ولم تستعد كل ما فقدته بعد. يكفي أن تملك الرغبة في المحاولة ثانية… وثالثة… وألف مرة.
إن الأمل المتجدد هو إكسير الحياة، لأنه يضمن لنا استمرار الحركة، واستمرار المعنى، واستمرار القدرة على الحلم في عالم يتآمر كل يوم على أرواحنا. فمن حفظ داخله نافذةً للضوء، فلن يسكنه الظلام مهما طال الليل







اضف تعليقك على المقال