الكاتب : عمر الحار
قدم فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي قراءة فلسفية عميقة لثورة الاكتوبرية المجيدة ، تمكن خلالها من اظهار جواهر مشروعها ، وقيمة اهدافها الوطنية و الانسانية ، معيدا تعريفها في القاموس السياسي ، باعثا الحياة في قيمها غير القابلة للنسيان ، لتبقى عنوان لعنفوان ارادة الاحرار من الثوار الذين اوقدوا مشاعلها بدماء تضحياتهم ، باعتبارها مشروع وطني جامع لتحرير الانسان ، لا مشروع سياسي قائم على تحالفات المراحل ، منقاد لقوى النفوذ فيها ، على مختلف مسمياتهم و تشكيلاتهم النضالية البراقة .
وتناول فخامة الرئيس بعقلية العالم الخبير بالثورة و المجتمع قراءة امينه للثورة الاكتوبرية ، من منظور بحثيٍ و استراتيجيٍ بحتٍ ، دون الغوص في المتغيرات الطارئة عليها من مرحلة الى اخر ، حتى لايصيب المشهد الوطني بحالة من الارباك الجديد ، معيدا للاذهان دورها في تشييد اركان الدولة ومؤسساتها الفوقية ، التي عجزت للاسف الشديد ، عن صناعة وعيها الثوري الذي يمثل السياج الوطني الاول لحمايتها وخط الدفاع الاول عنها . مما سهل عملية اختراق القوى الانتهازية لها . مسببة اضعاف قدراتها الثورية مع السنين ، دافعة بنيانها للانهيار .
وفي السياق لم يكن خطاب فخامة الرئيس ، مجرد تذكير بماضٍ عظيم ، بل كان استدعاءً استراتيجياً لتصحيح البوصلة الوطنية ، وتجديد العهد مع المبادئ الأولى التي انطلقت منها شرارة الثورة . لقد أعاد التأكيد بأن الثورة ليست حدثاً آنياً يحتفى به موسمياً ، بل هي حالة وعي مستمرة ، وأداة تحرر دائم ، تستمد مشروعيتها من ارتباطها العضوي بالناس ، ومن صدق تمثيلها لآمالهم وطموحاتهم .
ووضع الرئيس في تطرقه لمآلات الثورة ، إصبعه على الجرح ، في ثلاثية الثورة و الشعب و الوطن حين أشار إلى هشاشة البُنى الثقافية التي لم تُواكب البُنى المؤسسية ، مما أفرغ الثورة من محتواها التنويري ، وتركها عرضة للاجتياح من قبل القوى المتسلقة التي لا ترى في الوطن إلا سلعة تُدار ، لا قضية تحتضن . فكانت النتيجة أن ضاعت الثورة بين شعاراتٍ لم تُترجم ، ومؤسساتٍ لم تحصّن ، وإراداتٍ تآكلت بفعل غياب مشروع وطني متجدد .
و جاء خطاب الرئيس الدكتور رشاد العليمي ليؤكد أن جذوة الثورة لم تنطفئ ، وأن قيمها الكبرى لا تزال كامنة في وجدان هذا الشعب العظيم ، تنتظر من يوقظها بالفعل لا بالقول . ولهذا ، كان النداء واضحاً أن تعود النخب إلى مواقعها الطبيعية كرافعة وعي ، لا كأدوات صراع . وأن يعاد الاعتبار للمشروع الوطني بوصفه نقطة الالتقاء الوحيدة الممكنة ، في زمنٍ تكاثرت فيه الولاءات ، و تبعثرت فيه الاتجاهات .
اضف تعليقك على المقال