يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

إن لنفسك عليك حقًا - وأهمها أن تهجر من لا يعرف قيمتها

أشرف محمدين

الكاتب : أشرف محمدين

في زحمة الحياة وصراعاتها اليومية، ينسى الكثيرون أن لأنفسهم عليهم حقًا، حقًا يتجاوز الطعام والشراب والراحة الجسدية، ليصل إلى ما هو أعمق وأكبر - الكرامة - والراحة النفسية - والسكينة الداخلية - فنحن لا نُحاسب فقط على ما نقدمه للآخرين، بل أيضًا على ما نقدمه لأنفسنا من احترام وتقدير وصون لقيمتها. والإنسان الذي يظن أن حياته تُقاس فقط بما يقدمه للغير، يُدرك متأخرًا أن إهمال النفس أثقل خطيئة يرتكبها بحق ذاته.

إن النفس بطبيعتها كريمة، لا تقبل القهر ولا تُطيق الذل، لكنها قد تُستنزف حين تُصر على البقاء في أماكن لا تُقدّرها، ومع أشخاص لا يعرفون قيمتها. وهنا تكمن الحقيقة الأعمق: أن من أعظم الحقوق على الإنسان أن يحفظ نفسه من العلاقات المؤذية، وأن يهجر من لا يعرف لها قدرًا. فليس كل بقاء دليل وفاء، وليس كل صبر فضيلة. أحيانًا يكون الرحيل هو القرار الأكثر حكمة، وهو العلاج الذي يُنقذ الروح من موتٍ بطيء.

الهجر هنا ليس قسوة بل هو رحمة بالنفس وإقرار بأنها تستحق أن تعيش بسلام بعيدًا عن من يُقلل من شأنها أو يتعمد كسرها. فالحياة قصيرة جدًا وأيامها معدودة، ولا يُعقل أن نهدرها في محاولات إثبات قيمتنا لمن عجز عن رؤيتها منذ البداية. الحياة لا تنتظر، والوقت لا يعود، وكل لحظة تُضيّعها على من لا يعرف قدرك تُخصم من رصيد عمرك، ولن يعوضك عنها شيء.

كم من أشخاص عاشوا أعمارهم في سعيٍ لإرضاء من لا يُرضى، وفي محاولة لانتزاع تقدير من قلوبٍ قاسية لا تعرف معنى التقدير! وكم من قلوب تكسرت تحت وطأة الإهمال واللا مبالاة، فقط لأن أصحابها لم يتجرأوا على وضع حد، ولم يمتلكوا شجاعة الانسحاب! إن الشجاعة الحقيقية ليست في المواجهة دائمًا، بل في القدرة على إدارة ظهرك لما يُدمرك، وأن تختار نفسك حتى لو كان الثمن التخلي عن أشخاص أو أماكن اعتدت عليها.

إن الاعتراف بقيمة النفس ليس أنانية، بل هو وعي راقٍ. أن تُدرك أنك تستحق علاقة تُشعرك بأنك مرغوب ومُقدّر، وصداقة لا تُنهكك، وبيئة عمل تُعزز قدراتك لا تستهلكها. وحين يغيب هذا كله، فإن الرحيل يصبح فرضًا لا خيارًا. إن من يعرف قدر نفسه لا يقبل أن يُختزل في دور ثانوي في حياة أحد، ولا أن يكون مجرد هامش في قصة لا يُكتب اسمه فيها بصدق.

لا شك أن الهجر صعب وأن الابتعاد مؤلم خاصة إذا كان مع من نُحب أو من اعتدنا وجودهم في حياتنا. لكن الأصعب من ذلك أن نبقى في علاقات تُهيننا، أو في أماكن تُطفئ نور أرواحنا. إن التضحية بالنفس من أجل التمسك بالآخرين ليست تضحية، بل ظلم للنفس التي ستُحاسب عليها يومًا ما. والرضا الزائف الذي نحاول إقناع أنفسنا به ونحن نبتلع المرارة، سرعان ما ينكشف على هيئة جراح عميقة لا يراها أحد

علينا أن نتذكر دائمًا أن احترام الذات يبدأ من اختيارنا: اختيار من نُبقيه في حياتنا، ومن نغلق أمامه الباب. فالحياة أقصر من أن نُهدرها على من لا يرانا، والكرامة أغلى من أن نساوم عليها. وما أجمل أن يصل الإنسان إلى مرحلة من الوعي تجعله ينتقي محيطه بعناية، فلا يترك مكانًا في قلبه أو يومه إلا لمن يستحقه.

فلنمنح أنفسنا الحق الذي تستحقه، ولنضع حدودًا لا يتجاوزها أحد، ولنتذكر أن الهجر أحيانًا ليس هروبًا، بل هو انتصار للنفس وصيانة لكرامتها. الهجر ليس نهاية، بل بداية. بداية لمرحلة أنقى، وأصدق، وأهدأ، مرحلة تعيش فيها مع من يُشعرك أنك مهم، لا مع من يجعلك تسأل نفسك كل يوم عن قيمتك.

في النهاية، تذكّر أن النفس أمانة، وأن الحفاظ على قيمتها هو أسمى صور الوفاء لها. فلا تسمح لأحد أن يُطفئ نورك، ولا تُعطي من لا يعرف قدرك فرصة ليستهلكك. الحياة قصيرة، وما تبقى لك من أيام هو رأس مالك الحقيقي، فاختر أن تستثمره في من يقدّر، ويصون، ويمنحك ما تستحق. ثق أن الرحيل عن من لا يعرف قيمتك ليس خسارة، بل بداية لحياة أكثر نقاءً وصفاءً، وأشد إشراقًا وامتلاءً بالطمأنينة التي طالما حلمت بها

اضف تعليقك على المقال