الكاتب : عماد الدين الغزالي
لا يجيء السادس والعشرون من سبتمبر على اليمنيين كذكرى عابرة، بل كوميض لا ينطفئ في الذاكرة الوطنية، وكجرس يذكّر الأجيال بأن هذا اليوم لم يكن مجرد تاريخ، بل كان انعتاقًا من عبودية القرون، وصيحة حرية غيّرت مسار وطن بأسره. لقد خرج الشعب يومها من ظلمات الإمامة إلى نور الجمهورية، من سجون الوصاية إلى فضاء المواطنة، ومن كهف الخرافة إلى ساحة العقل والكرامة.
لكن المفارقة أن ما أسقطته دماء الأحرار في فجر سبتمبر، تحاول مليشيا الحوثي اليوم أن تبعثه من جديد بأسماء مختلفة ورايات مزيفة. فهي تسعى لإعادة إنتاج الإمامة في نسخة أكثر قسوة وتطرفًا، إمامة ترفع شعارات دينية لتخفي بها وجهًا سياسيًا متغطرسًا، وتستثمر في جراح اليمنيين لتبني على أنقاضهم مشروعًا غريبًا على حاضرهم ومصيرهم. إن الحوثي ليس سوى ظلّ لذلك الماضي البغيض الذي حكم اليمن بالسلالة والوصاية، وظلّ يستثمر الجهل والفقر كأدوات للهيمنة والاستعباد.
إن خطر الحوثي لا يقف عند حد السلاح والانقلاب، بل يتعداه إلى اغتيال الوعي وتزوير الهوية. فهو يحاول أن يقتلع ثورة سبتمبر من وجدان الأجيال، فيحوّر المناهج ويطمس الرموز ويستبدل الذاكرة بالخرافة، ليخلق جيلاً مقطوع الصلة بجمهوريته وبأحلام الحرية. إنها محاولة لإعادة الشعب إلى القبو المظلم ذاته، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلالة، ولا كرامة إلا بما تمنحه الإمامة لمن تشاء.
لكن اليمنيين، الذين دفعوا دماءهم ثمنًا لسبتمبر، يعرفون أن الثورة ليست حدثًا يُطوى، بل روح تسري فيهم، وهوية لا تُمحى. هم يدركون أن الاحتفاء بسبتمبر ليس طقسًا احتفاليًا محدودًا بالأغاني والأعلام، بل هو فعل مقاومة يومي ضد مشروع يسعى إلى إطفاء آخر شمعة في هذا الوطن. فكل مرة يهتف اليمني باسم سبتمبر، إنما يعلن رفضه للعبودية، وكل مرة يروي حكاية الثورة لأبنائه، فإنه يغرس فيهم مناعة ضد الخرافة، ويحصّن عقولهم من التضليل.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج اليمنيون أن يتشبثوا بسبتمبر، ليس فقط كذكرى، بل كبوصلة تحدد وجهة المستقبل. فهو خط الدفاع الأخير أمام مشروع الموت الذي يقدمه الحوثي. ومن يفرّط بسبتمبر يفرّط بالجمهورية، ومن يتهاون في الدفاع عنه يتهاون بمصير وطن كامل.
وهكذا سيبقى السادس والعشرون من سبتمبر صفحة مفتوحة في كتاب الحرية اليمني، وصوتًا لا يخفت مهما حاولوا إسكات الأناشيد أو محو المعالم. فسبتمبر هو وعد الأحرار، وهوية اليمنيين التي لا تقبل الطمس، وبوصلة المستقبل التي لا تنحرف، ما دام في هذا الشعب قلبٌ ينبض بالحرية وذاكرة تحفظ الوصايا الأولى للثورة.
اضف تعليقك على المقال