يمن اتحادي هو منصة إخبارية رقمية رائدة تسعى لتقديم تغطية شاملة وعميقة للأحداث الجارية في اليمن، مع التركيز على تقديم صورة واضحة وموضوعية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

الرومانسية المفقودة في زمن السرعة: حين يتحوّل الحب إلى إشعار

أشرف محمدين

 

الكاتب : أشرف محمدين 


في عالم يُدار بالسرعة، وتُقاس فيه العلاقات بعدد الرسائل والرموز التعبيرية، تقف الرومانسية على الهامش، باحثة عن متنفس بين الإيقاع المتسارع والتواصل الرقمي البارد.
لم تعد الوردة تُهدى، بل تُرسل صورتها… ولم تعد الكلمات تُهمس، بل تُكتب على عجل في نافذة محادثة، تختفي بعد لحظات من إرسالها.

فهل ماتت الرومانسية؟
أم أنها أُصيبت بالوهن تحت وطأة عالم تغيّر كثيرًا، وقلوب أصبحت أكثر صلابة من أن تعترف باحتياجها؟

من زمن الرسائل الورقية… إلى عصر الرسائل المحذوفة

في الماضي، كان للحب طقوسه.
الرسائل تُكتب بخط اليد، تُعطر، وتُطوى بعناية كأنها قلبٌ يُقدَّم لحبيبه.
كان العاشق ينتظر أيامًا ليرى أثر كلماته، فيرتجف حين يقرأ ردًا يحمل شوقًا أو عتابًا أو دعوة للقاء.

أما اليوم، فقد تحوّل الحب إلى إشعارات…
“شوهد منذ ٣ دقائق”،
“تمت قراءة الرسالة”،
“جارٍ الكتابة…”
تلك هي لغة العصر التي قتلت اللهفة، وجعلت الترقب رقميًا جافًا.

حين يصبح الحب مشروعًا عقلانيًا باردًا

تراجعت المشاعر أمام لغة الأرقام والمنطق، وأصبحت العلاقات تُبنى على الحسابات:
هل هو مناسب اجتماعيًا؟
هل تملك ما يكفي من المال؟
هل نُكمل لأننا نُحب، أم لأننا اعتدنا؟

في هذه المتاهة، تفقد الرومانسية معناها…
فالرومانسية ليست “خطة خمسية”، بل رعشة في القلب، ونبضٌ لا يخضع للمنطق.
التكنولوجيا… القاتل الصامت للمشاعر؟

وسائل التواصل قرّبت المسافات، نعم… لكنها أيضًا أفرغت العلاقات من وهجها.
“أحبك” أصبحت تُقال بلا إحساس،
والاهتمام يُختزل في “تفاعل”،
والحنين يُترجم بإعادة نشر ذكرى من سنوات مضت.

لقد تغيّرت لغة الحب، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تغيّر طبيعته…
لم نعد نُحب كما كنا، بل نُحب حسب الوقت المتاح، والوضع المزاجي، والقدرة على التحمل.

المادية… جدار آخر في وجه الحب الحقيقي

في زمنٍ تُقاس فيه المشاعر بالهدايا،
أصبح البعض يطلب علاقة “مدفوعة الأجر عاطفيًا”.
اختلطت النية الصافية بطمع المغنم،
وتحوّلت الرومانسية إلى وسيلة للحصول على مقابل:
هدية… عشاء… مجهود… ثم تقييم!

ونسينا أن أجمل الهدايا لا تُشترى، بل تُشعر:
نظرة صادقة، حضن دافئ، كلمة “أنا هنا”.
هل ما زال هناك من يؤمن بالرومانسية؟

نعم، هناك قلوب نقية ما زالت تؤمن أن الحب طقس مقدس…
أن الرومانسية ليست مظهرًا، بل جوهرًا.
أن الحنان ليس ضعفًا، بل قوة.
أن الرجولة ليست قسوة، بل دفء ومسؤولية.
وأن الأنثى لا تطلب المعجزات، بل “احتواء” فقط.

ما دعوة لإعادة الاعتبار إلى “العاطفة الصادقة”

فلنُبطئ قليلًا…
لنُصغِ إلى من نحب، لا إلى ضجيج هواتفنا.
لنُعبّر بالكلمة الطيبة، بالوقت الصادق، وبالتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق.
لنُربّي أبناءنا على أن الاعتذار رجولة، وأن الحنان شجاعة، وأن الرومانسية ليست ضعفا.           
في النهاية، الحب الصادق لا يضيع.
ربما يُقصى حينًا، يُهمَّش في زحام الأيام، لكنه لا يموت.
يكفي أن نُؤمن به، أن نُمارسه بإخلاص، وأن نُقاوم به قسوة العالم.

فالرومانسية… لا تحتاج إلا قلبًا حيًا.

قلب يُجيد الإصغاء لصوت من يُحب، قبل أن يُصغي لصوت نفسه.
قلب يُتقن فن التنازل من أجل البقاء، لا فن الانسحاب عند أول اختلاف.
قلب يعرف أن الوردة لا تذبل إذا رُويت بالاهتمام،
وأن الكلمة الطيبة قد تُعيد بناء جسر مكسور دون ضجيج.

الرومانسية ليست زمنًا ولّى…
بل هي قرارٌ يوميّ بأن نُحب بشكل أعمق، نحتوي بشكل أصدق،
نُرمم ما تهدّم في نفوسنا، لا أن نهدم ما تبقّى.

في عالم يبحث فيه الجميع عن العلاقات السريعة والمشاعر الجاهزة…
كن أنت المختلف.
كن من يُحب بكامل قلبه، ويظل وفيًّا، حتى في زمن اللامبالاة.
فالحب، في أصله، ليس حكاية تُروى، بل موقف يُعاش… وضمير لا يغيب.

وإن وُجد الحنان، والصدق، والرغبة في البقاء…
فكل ما عداه تفاهات

اضف تعليقك على المقال