الكاتب : أشرف محمدين
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى، وتتصارع فيه القلوب، وتعلو فيه الأصوات على همسات المشاعر…
يبقى اللطف هو ذلك النور الخافت الذي لا يُرى دائمًا، لكنه يُحس دائمًا، ويُلامس الأرواح قبل الأيدي، ويترك أثرًا لا يمحوه النسيان.
إن القلوب لا تُشترى، ولا تُؤسر بالمال، ولا تُفتح بالقوة، ولا تُسكن بالجمال.
القلوب بطبعها حرة، عنيدة، لا تخضع إلا لمن يُحسن إليها، ولا تُفتح إلا لمن يطرقها برفق، ويعاملها بإنسانية.
اللطف ليس ضعفًا، بل هو أعلى مراتب القوة.
أن تكون لطيفًا مع من حولك، مع من تحب ومن لا تحب، مع من تعرف ومن لا تعرف، هذا دليل نضج داخلي وسُموّ في الروح.
فاللطف لا يحتاج إلى علمٍ غزير، ولا إلى موهبة نادرة… بل يحتاج إلى قلب حيّ يشعر بالآخرين، ويتّسع لهم.
والعلاقات الناجحة – سواء كانت عاطفية أو اجتماعية أو إنسانية عامة – لا تُبنى على الوعود الرنانة، ولا على المظاهر البراقة، بل تُبنى على كلمة طيبة، وابتسامة صادقة، وموقف فيه احتواء لا جفاء.
كم من رجل امتلك الوسامة، لكنه فشل في كسب قلب امرأة لأنه كان قاسيًا!
وكم من امرأة كانت مبهرة في مظهرها، لكن غلظة قلبها أطفأت بريقها!
وعلى الجانب الآخر، كم من قلوبٍ فتنتنا بلطفها، حتى نسينا شكلها وملابسها وصوتها… لأننا ببساطة شعرنا معها بالأمان.
اللطف هو أن تقول “أنا هنا” دون أن ترفع صوتك.
أن تمسح على ألم غيرك بكلمة، أو حضور، أو دعاء.
هو أن تكون سببًا في أن يبتسم أحدهم دون أن يعرف السبب.
أن تسأل عن من غاب، وتتفقد من تعب، وتفرح لفرح غيرك كأنه فرحك الشخصي.
وقد يبدو اللطف أمرًا بسيطًا، لكنه في حقيقته ثورة على الأنانية، وتمرّد على القسوة، وموقف أخلاقي راقٍ لا يقدر عليه إلا الكبار بحق.
اللطف في التفاصيل الصغيرة:
اللطف لا يظهر فقط في المواقف الكبرى، بل يسكن في التفاصيل الصغيرة.
في أن تصغي لأحدهم دون أن تقاطعه، أن تُقدّم المساعدة حتى وإن لم تُطلب منك، أن تتذكر ما يُسعد الآخر وتبادر به.
هو أن تكون حنونًا دون ضعف، صبورًا دون ملل، متواجدًا دون مقابل.
وما أجمل أن تكون علاقتنا بمن نحب مبنية على هذا النوع من الرقي…
أن نُشعر من معنا أنهم أولويتنا لا عبء علينا، وأننا لا نُجاملهم بل نُقدّرهم حقًا.
اللطف في الحب هو أن تفهم قبل أن يُشرح لك، وأن تعذر قبل أن يُطلب منك العذر، وأن تبقى حتى في لحظات الانطفاء.
اللطف مسؤولية…
أحيانًا، قد تكون الكلمة التي نلقيها بلا تفكير سببًا في جرح لا يُنسى.
لكن الكلمة الطيبة، النظرة الدافئة، الاهتمام الصادق… كل هذا يترك بصمات في أرواح الناس، يخلدونه في ذاكرتهم، ويذكرونه في دعائهم.
فأن تكون لطيفًا، يعني أنك قررت أن تكون إنسانًا، بكل ما تحمله الكلمة من رحمة واحتواء واحترام.
⸻
و في النهاية ما زال هناك يوجد أمل ودفء:
في هذا العالم المتعب، الذي أصبح فيه الصراخ أعلى من الهمس، والخوف أكثر من الطمأنينة، تذكّر أن اللطف لا يُكلفك شيئًا، لكنه يعني كل شيء لمن حولك.
كن لطيفًا، لا لأن الناس دائمًا يستحقون، بل لأنك أنت لا تريد أن تكون غير ذلك.
فباللطف تُملك القلوب… وتُغفر الزلات… وتُكتب القصص الجميلة التي لا تنتهي.
اضف تعليقك على المقال